د. عبدالعزيز بن صالح العجلان
عندما نتحدث عن الحدود البحرية، فإننا نستحضر صورة مناطق غامضة وجميلة تنتشر في أعماق المحيطات، تحيط بها الأمواج الهادئة والأسماك الملونة. ولكن في هذا العالم الجميل، تندلع صراعات قانونية مثيرة تحول السكينة إلى صخب والجمال إلى توتر. فقد أصبح تحديد الحدود البحرية وتسوية القضايا ذات الصلة أمرًا هامًا في عصرنا الحالي، حيث تتنازع الدول على مواردها الطبيعية وسيادتها البحرية.
واحدة من أبرز القضايا المثارة حاليًا في هذا السياق هي الثروات الطبيعية في المنطقة البحرية الواقعة في حقل الدرة والتي تشترك فيها المملكة العربية السعودية ودولة الكويت الشقيقة، وهذه الثروات موجودة بين العديد من الدول كاليونان وتركيا وبين الصين ودول أخرى مثل فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي تتنازع على السيطرة والسيادة على هذا البحر الاستراتيجي الهام.
وضع الحدود البحرية عملية حسّاسة ومعقدة، حيث تتطلب دراسة مستفيضة وتحليلاً دقيقاً لتحديد حدود الأراضي والمياه البحرية بين الدول. تتم هذه العملية استنادًا إلى المبادئ القانونية والمعايير العلمية والمفاوضات الثنائية أو الدولية. في هذا المقال، سنستكشف مبادئ وعمليات وضع الحدود البحرية، وسنلقي الضوء على كيفية تطبيق هذه العمليات في حالة حقل الدرة والتي تمتلك كامل حقوقه السيادية المملكة والكويت.
وضع الحدود البحرية يستند إلى مجموعة من المبادئ والمعايير القانونية والعلمية، ومنها:
1. قانون البحار الدولي (UNCLOS): يعتبر UNCLOS الإطار القانوني الرئيسي لوضع الحدود البحرية. يوفر هذا الاتفاق الدولي إرشادات ومبادئ حول استخدام الموارد البحرية وتحديد الحدود البحرية بين الدول. يُركز UNCLOS على مبدأ العدالة والتوازن في توزيع الموارد البحرية وحل النزاعات.
2. المبادئ العدلية والمنطقية: يجب أن يكون وضع الحدود البحرية عادلاً ومنطقيًا، مع مراعاة المصالح المشتركة للدول المعنية وتوازن حقوقها في استغلال الموارد البحرية. يشمل ذلك توازن الاستخدام العادل للموارد وتجنب التسبب في ضرر بيئي.
3. الأدلة العلمية والتقنية: يُستخدم تحديد الحدود البحرية الأدلة العلمية والتقنية، بما في ذلك البيانات الجغرافية والمسوحات البحرية وتحليل الطبيعة البحرية والجغرافية للمنطقة. يتم استخدام هذه الأدلة لدعم قرارات تحديد الحدود وتأكيدها.
ومع ذلك، يمكن استخدام نفس مبادئ وعمليات وضع الحدود البحرية في حقل الدرة. يتضمن ذلك:
1) المفاوضات الثنائية أو الدولية: يمكن للمملكة والكويت اللجوء إلى المفاوضات لبحث وتسوية كل ما هو متعلق بحقل الدرة. يهدف التفاوض إلى التوصل إلى اتفاقات تحدد الحدود وتوزيع الموارد بطريقة عادلة ومتوازنة وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الشقيقتين.
2) التحكيم الدولي: يمكن أن تلجأ المملكة والكويت إلى التحكيم الدولي لحل النزاعات البحرية. يتم ذلك عن طريق تقديم القضية إلى محكمة التحكيم الدولية أو غيرها من المحاكم المعترف بها لاتخاذ قرار قانوني نهائي بشأن الحدود والموارد.
3) التعاون الإقليمي: يمكن للمملكة والكويت التوصل إلى اتفاقيات تعاون مشترك لاستغلال الموارد في حقل الدرة. يمكن تحديد آليات توزيع العائدات وإدارة الموارد بشكل متوازن وعادل لصالح، وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الشقيقتين.
ختاماً، يجب أن ندرك أن الحدود البحرية ليست فقط خطوط تميز بين الدول، بل هي أيضًا فرصة للتعاون والتضامن بين الأمم. إن التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار هو المفتاح لتحقيق استقرار المناطق البحرية والاستفادة العادلة والمستدامة من مواردها الطبيعية، فالعلاقة السعودية الكويتية ليست علاقة حدودية أو سياسية فقط، بل هي علاقة بين دولتين وشعبين تقوم على أسس جذرية ومصيرية وتاريخية راسخة ومهمة.