د. محمد بن إبراهيم الملحم
وكذلك المعلمات؟ ولكن جرياً على مبدأ لغوي؛ أن التذكير في الجمع يشمل المذكر والمؤنث، فإن العناوين يكتفى فيها بالتذكير منعاً للثقل، وأقدم هذه الإلماحة اللغوية هنا، حتى لا يظن القراء الكرام (والقارئات الكريمات) أن الموضوع خاص بالمعلمين فقط دون المعلمات، وهو تساؤل مشروع: فماذا يريد المعلمون؟ ولماذا دائماً يتداولون همومهم في مجالسهم، ومجالس غيرهم أيضاً، تلك الهموم التي تطرح منذ أجيال، وتتطور وتنمو مع الزمن، بعضها هو نفسه لكنما يأخذ أشكالاً أو مستويات مختلفة مع مرور الزمن، وبعضها يستجد فتظهر له تحورات جيولوجية تنحتها عوامل التعرية، وبعضها متجدد ربما يختفي فترة ثم يعود للظهور في صورة جديدة أو صيغة جديدة أو ربما يظهر هو نفسه، وكأنما بعث هذا الهم من قبره تارة أخرى بعد أن كدنا ننساه، وبعض الهموم بالطبع جديدة طازجة، كونتها عوامل المناخ المعاصر من لهيب شمس قرارات جديدة، أو صقيع برودة مناهج صعبة الهضم، أو عسيرة التناول.
قد تصدق بعض هذه الهموم وقد يكون بعضها الآخر مبالغات أو تهويلات لا حاجة لها أصلاً، وليس هذا مجال حديثنا، فتحليل نوعيات هموم المعلمين بحر لا ساحل له، ولكن يهمنا هنا مبدأ وجود الهم والشكوى لدى المعلم. والواقع أن هذا الأمر ليس محلياً فقط، بل هو ظاهرة عالمية، وليس أيضاً قصراً على مهنة المعلم، بل هو مطرد في أية مهنة أخرى، ولذلك تناقش هذه الهموم في لقاءات تضم ممثلين عن أصحاب هذه المهن، وفي التعليم تمثل ما يسمى «رابطة المعلمين» وسيلة لالتقاء المعلمين ببعضهم، والمقصود طبعاً ممثلين عنهم، فيتناقشون في مطالبهم، وتوقعاتهم، ويقدمونها للجهات الرسمية بطريقة منظمة ومتزنة، وتتم دراستها، ويستخلص منها ما تجده الجهات الرسمية مناسباً للتطبيق، سواء من حيث مناسبته للأنظمة القائمة، أو إمكانية التنفيذ من حيث توفر الموارد، أو أي اعتبارات تنفيذية أخرى. صوت المعلم هو قضية القضايا لدى هذه الرابطة، وهو أيضاً هدف تسعى إليه وزارات التعليم، وتفيد منه في صناعة قراراتها. ولا شك أن هناك في بعض تلك الدول حالة عدم رضا عن بعض الإجراءات، وطبيعة العلاقة بين الجهات الرسمية من جهة، والمعلمين من جهة أخرى (ممثلاً برابطتهم)، وهذه منشورة في كثير من الكتابات الأكاديمية التي تهتم بتحليل السياسات التعليمية وتنظيماتها، لذلك لا يمكن أيضاً الجزم بأنموذج محدد Model، يعتبر مثالاً يحتذى على الإطلاق في مسألة العلاقة بين المعلم وصناعة الأنظمة التعليمية التي تدير عمله، لكنما تظل نسبية هذه العلاقة متحيزة أكثر لجانب دون آخر.
النموذج الهرمي في العمل الإداري، والطريقة التقليدية في إدارة المعلومة الإدارية، يقتضيان أن تكتفي المؤسسة التعليمية بأخذ آراء معلميها، من خلال أجهزتها الإدارية، وفروعها المختلفة بكل مستوياتها، وصولاً إلى المدرسة التي تضم المعلم، وهي طريقة تنم عن حرص المؤسسة على الحصول على رأي المعلم (أو معرفة هموم المعلمين)، لكنها لا تسلم من إشكاليات البيروقراطية التي تعكر صفو هذه المحاولة طيبة النية للوصول للمعلم، مما لا يضمن وصول صوت المعلم بنفس درجة النقاوة التي يتحدث بها في مجلس أو ديوانية.
ولذلك تمثل لقاءات المعلمين المفتوحة التي تنظمها المؤسسة التعليمية بشكل مركزي (أو تكلف بها طرف ثالث) وسيلة أفضل، وأكثر نجاحاً، خاصة إذا نظمت بشفافية، وتمت إدارتها بطريقة احترافية نزيهة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً