عطية محمد عطية عقيلان
الحارث بن عباد البكري، كان من سادات العرب في الجاهلية، عرف بالشجاعة والفروسية، والحكمة والشعر، ورجاحة العقل، وشهد حرب البسوس، وأعتزل القتال فيها وقال هذه الحرب لا ناقة لي فيها ولا جمل، ويروى أنه عندما قتل كليب، قال الحارث بن عباد، للزير سالم: إن الدية عند الكرام الاعتذار...!!، ولم يقبل بها الزير سالم، وتحين الفرصة الملائمة وقتل «بجير» ابن الحارث بن عباد، وقال مقابل «شسع نعل كليب»، ولما وصل الخبر لوالده وما قاله الزير سالم، ثار وأمر بإحضار فرسه النعامة، وقام بقطع ذيلها وأخذ بناصيتها، وقال والله لا أكف عن تغلب حتى تكلمني فيهم الأرض، ودخل غمار هذه الحرب انتقاما وثأرا لمقتل ابنه، وهذه القصة التاريخية بعيدا عن دقة أحداثها، تبين أن الكلام سهل جدا على عوام الناس، ولكن التطبيق لما يقولونه، هي الاختبار الحقيقي لما نقوله وننصح به الآخرين، لذا كان نابليون بونابرت يقول: «ما أسهل أن تتحدث عن الشجاعة، وأنت بعيد عن أرض المعركة»، وهذ يأخذنا لما يحيط بنا، ويصلنا بشكل يومي، من رسائل وقصص وتنظير عبر مختلف منصات التواصل، يحكون فيها بمثالية مفرطة، كقصة صاحبنا الحارث بن عباد، يجيدون رسم حياة الآخرين وكيفية تنمية وتطوير الذات والتعامل مع الحياة، واختيار العمل المناسب وكأن الفرص أمام الآخرين على الغارب، لا يعلم أنهم رضوا بالحد الأدنى حتى لا يصبحوا عاطلين وعالة على أهلهم، ليجدوا من يوجههم بكيفية الادخار والتوفير من الراتب والتوقف عن شرب القهوة أو الشاي أو ركوب سيارة.. وكأننا خلقنا في هذه الحياة لكنز المال فقط دون الاستمتاع بها، ومن ثم تجد شلة من الرجال والنساء، يقدمون نصائحهم في كيفية اختيار الشريك المثالي، وكأن هناك إنسان متكامل، بدل توجيه رسائل لكيفية التعايش والتفاهم، القائم على الاحترام والألفة والقناعة، وبعد ذلك تهب موجة تناقل قصص العصاميين ورواد الأعمال، وتداولها وكأنها حقيقة دامغة، متناسين أننا نرى الجزء الجميل في حكايتهم ونالها التضبيط والتلميع والفلترة، لتكون مثالية ومشوقة، وأعتقد أن أكثر الفيديوهات المتداول والمضحكة والتي تنتشر كالهشيم في منصات التواصل عن اطلاقها، هي حكايات المحللين الرياضيين، عندما يتنبأ بحدث أو نتيجة أو قصة وتحدث، وتتناقل وكأن صاحبها اخترع القنبلة الذرية وجاب الذيب من ذيله كما يقال، المضحك في بعض هؤلاء المحللين الرياضيين، هو أن توقعاتهم ورؤيتهم في جلها خاطئة ولتبنى على فهم فني أو نظرة موضوعية، طبعا أكثر شيء آثر بانتشار هذه النوعيات البحث عن كسب متابعين لتداول أقوالهم، ويأتي بعدهم المحللين الاقتصاديين، خاصة عندما يصب توقعهم لسهم معين، تجد هذا الرأي يتداول على نطاق واسع، علما أن قائله لم يقم بما ينصح به، لأنه يؤمن أن تحليله في غالبه قائم على التخمين، خاصة أن سوق الأسهم به جانب نفسي يؤثر فيه، ويصعب معرفته والسيطرة عليه، والخلاصة عزيزي القارئ، ستصلك العشرات من الفيديوهات والتغريدات والسنابات، لمشاهير سواء كانوا شبابا، أو حتى ممن يحاول ان يلحق بركب هذه التطبيقات الجديدة لمن تجاوز الخمسين والستين، وستبهرك آرائهم وتجاربهم وحكاياتهم، ولكن ضع في حساباتك وعقلك أنهم امتداد لنفس جماعة الشعراء والرواة قديما، وشفة بعيني أو حدثني من أثق به.. ولكن الميزة فيهم جميعا أنهم لم يقولوا لك «صدقني».
خاتمة: المحك الرئيسي لصدق الإنسان أو كذبه هو تصديق افعاله لما يقوله من كلام، لذا يقول المفكر الأمريكي مارك توين «ما أسهل الحديث عن الصبر، عندما لا تكون المصيبة مصيبتك»، فلا تنخدع بصدق أو ورع أو أمانة شخص، الا بعد أن تجربه على أرض الواقع، وستميز بعدها هل هذا المعدن أصيل أم مصدي مطلي بالذهب.