سارا القرني
كان سهيل بن عمرو على سفر هو وزوجته.. وفي الطريق اعترضهم قطاع الطرق، وأخذوا ما معهم من مال وطعام.. وكل شيء، وجلس اللصوص يأكلون مما حصلوا عليه جراء السرقة، لكن سهيل بن عمرو انتبه إلى أن قائد اللصوص لا يشاركهم الأكل؛ فسأله: لماذا لا تأكل معهم؟! فقال له: إني صائم! فدُهش سهيل، وقال: تسرق وتصوم؟! فقال له «إني أترك باباً بيني وبين الله.. لعلي أدخل منه يوماً ما إلى الجنة»! ثم ترك اللص سهيل بن عمرو وزوجته بعد أن أخذ أموالهم، وقال لهم: اذهبوا.
مضت الأيام.. وبعد عام أو عامين، كان سهيل يطوف حول الكعبة.. ورأى الرجل -قائد اللصوص- وقد تعلق بأستار الكعبة، زاهداً عابداً، فنظر إليه سهيل، وقال له: «أوَ علمت.. مَن ترك بينه وبين الله باباً دخلَ منه يوماً ما»!
سبحان الله.. رجلٌ يعصي الله لكنه لا يقطع حبلاً بينه وبين ربه، هذا لا يعني أننا إذا صمنا نسرق ونشتم، أو إذا صلينا نفعل المعاصي كما شئنا، بل إنّ ما نفهمه هو أن نزاحم المعاصي بالطاعات حتى تغلب عليها!
في محيطنا نجد الصالح والطالح.. فنقبلُ من الطيب ما قدّمه طيباً، ونشدّ على يديه، ونردّ المسيء ونقابله بالنصح لا بالتحطيم وتكسير المجاديف، لكننا في زمنٍ إذا أخطأ فيه امرؤٌ فُضِحَ سرّه.. وتناوشته الألسن والأقلام، حتى لا تُقبل منه توبةٌ صدقَ فيها قلبه!
من أبشع الآفاتِ محاسبة الناس على ماضيهم كأنه لا جديد لهم، والتشكيك في حاضرهم كأنه لا صلاح يُرجى منهم، ولا يختص بهذا الأمر عبادات الناس وطاعاتهم، بل يطالُ كلّ ما يتصل بأخلاقهم وأفعالهم، ومع انتشار وسائل التواصل.. صار الناس يعلمون عن بعضهم البعض ما لا يحتاجون معه إلى تتبع أو استقصاء، فالكلّ مكشوفٌ كأنهُ لم يغلق باب داره، وبالطبع سنجد يوماً ما من يخالف رأي أحدهم بتهويل بشع وكأنه اقترف كبيرة، وسنجد من يوافقه على أمرٍ وكأنّ الأمر له لا لله!
إنّ علاقتنا مع الله -عز وجل- ليست كعلاقتنا بخلقه؛ لأنّ قانون الناس «خذ بقدرِ ما أعطيت»، لكنّ اللهَ أكرم من أن يجزيك على قدر ما تعمل، فأجر الله أجزل وعطاياه أكثر بأضعافٍ مضاعفة؛ ومن تأمّل في قوله -صلى الله عليه وسلّم-: «وإن تقرب -عبدي- إلي شبرًا؛ تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا؛ تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، عرفَ أنّ لا بدّ أن يسير إلى الله على أيّ حال، ولا يهتمّ لكلام البشر.. فالرحمة ليست بأيديهم ولا العقاب ملكاً لهم، وزاحم كلّ ما تفعله بالطاعات لعلّ في أحدها باباً إلى الله!
نحن ابتُلينا بشياطين الإنس الذين يوهمونك بالنفاق، لأنك تفعل المعصية بعد طاعة، أو تفعل الطاعة بعد معصية، يهوّلون خطأك حتى تقترب من اليأس، ويصغّرون جميل فِعْلكَ حتى تكاد ألا تفعل جميلاً، يلاحقونك بكل خطأ كأنهُ حكمٌ قطعيّ عليك بالسوء، ولا يقبلون منكَ معروفاً فقد سبقَ عليك القول.. ولا تراجع، ولكن إياك أن تُصغي وتقفل باباً بينك وبين الله، بل أغلق الباب بينك وبينهم!