عبد الله سليمان الطليان
جائحة كورونا وآثارها ستبقى في الذاكرة لكل إنسان مر بها في هذا العالم، مع التفاوت في الأثر ووقعه على كل إنسان، لقد توقفت فيها عجلة الحياة بصخبها الذي اعتاد عليه البشر، وأصبح الإنسان أسيراً في منزله لوقتٍ طويل، كانت تجربة ما زالت تروى حتى الآن عاشها أفراد وجماعات، وهناك من أثرت فيه تجربة الإقامة القسرية على نحو كبير، وبحسب مكان إقامته وبيئته وطبيعة عمله، سوف نعطى مثالاً على إنسان اعتاد على التنقل وكذلك السياحة. حيث يروي تجربته، فيقول قضيت آخر ثلاثين من حياتي مسافراً في أنحاء أوروبا، وأنا حالياً أنا مسافر على الرغم من أني مضطر للبقاء محتجزاً في منزلي أغلب الأوقات، لقد أدركت أن السفر ليس وقتاً نمضيه فقط. بل هو تنوير فكري.
ويقول يرى كثير من الناس أن السفر هو أسلوب لعيش حياتهم، فهم يسعون بشتى الطرق للترحال، بداية من المرور بهذه التجربة والتخطيط لها، منذ مغادرة الوطن وحتى الرحلة كاملة، ومن ثم يقومون بالتخطيط لرحلة أخرى، وهذا يمثلني تماماً، أما الآن، وبعد مرور أشهر عدة على هذا الوباء، فقد اكتشفت أن السفر في جوهره لا يتطلب جواز سفر، ولا طائرة، فببساطة يستمتع الرحال الجيد برحلته دون مغادرة وطنه. في منتصف شهر مارس سنة 2020 نمت في السرير نفسه، وتناولت العشاء نفسه على الطاولة نفسها مع الأشخاص أنفسهم، حتى أصبح مشروع التسوق بالنسبة لي هو بمنزلة رحلة عظيمة، وحالياً، لا أملك النقود، ولا يوجد أي شيء في جدول مواعيدي، والشيء الوحيد الذي أفعله هو ارتداء نعلي المنزلية، لأصبح قعيداً في المنزل لآن ولأول مرة منذ صيف 1980, ولكوني عالقاً هنا، راودني سؤال مهم لفترة : لماذا أسافر؟
عندما كنت صغيراً، كنت أبحث عن الإجازات، التي يمكنني الاستمتاع فيها باستكشاف المعالم البارزة لأقضي وقتاً ممتعاً أشاهد مناظر وأماكن جديدة كي أضعها في قائمة سفرياتي، ولقد أدركت مع مرور السنين أنني أسافر لأخرج من منطقة راحتي لأجد نفسي في الأشياء التي أراها، وأعود إلى وطني بأفضل تذكار، وكرحالة، ومنذ مارس، حاولت تطبيق هذا التفكير على وضعي الحالي، واكتشفت أنه يمكنني إشباع شغفي عن طريق التجوال ومعرفة المعالم البارزة للمدينة التي أعيش فيها، وأسترجع ثقافتها، التي لم أكن أبداً أقدرها من قبل، فقبل الوباء، لم أكن أفكر في الاستمتاع بالألعاب والأشياء المرحة الصغيرة القريبة مني بالطريقة نفسها التي كنت أفعلها في الخارج، حتى أصبحت ألاحظ الآن نفير السفن والمنظر الساحر لغروب الشمس في وطني.
لقد جعلتني هذه الأزمة على دراية بالأشياء التي كنت أراها أمراً مضموناً ومفروغاً منه، بالنسبة لحياتي كشخص ناضج، فقد كان قضاء أشهر عدة في أوروبا أمراً روتينياً، وحالياً وأنا قابع في منزلي، أرى بوضوح كم كنت محظوظاً بالطيران المنتظم حول العالم، وبالتأمل في المعاناة التي يسببها هذا الوباء في كل من القريب والبعيد يعلمنا السفر أن الحياة فيها ماهو أكثر من مجرد زيادة إيقاعها، وجاء هذا الحجر الصحي ليكون العلاج لمدمني العمل مثلي، إن هذه الأزمة تذكرنا بمدى احتياج بعضنا لبعض، وأننا نحتاج لنكون آمنين مهتمين بأنفسنا، وتسلط الضوء في الأوقات الصعبة على أهمية الخدمات العامة والحكم الرشيد، فضلاً عن قيمة الجيران.
إن النظر إلى العالم من منظور المسافر يمكن أن يجعلنا أقل خوفاً وينير عقولنا ويفتح قلوبنا، ويثري حياتنا، سأكون صبوراً وسأواصل احتضان الحياة بروح المسافر داخل المنزل، وخلال تجوالي, وجدت نفسي أردد كثيراً أن الحياة جميلة، وحتى أثناء وجودي في المنزل أثناء الجائحة، أجد الكثير لأكون ممتناً من أجله وشاكراً لأسباب عدة تدفعني إلى السعي من أجل عالم يردد فيه الجميع أن الحياة جميلة.