واس - مكة المكرمة:
سلّم معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، أمس، كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي، بحضور قيادات الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك خلال إقامة مراسم التسليم بمقر مجمع الملك عبدالعزيز لصناعة كسوة الكعبة المشرفة.
وقد جرى التوقيع على محاضر الاستلام والتسليم بين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكبير سدنة بيت الله الحرام، خلال الحفل الذي أقامته الرئاسة بالمجمع، تمهيداً لاستبدال ثوب الكعبة المشرفة غرة محرم 1445هـ.
وكانت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ممثلة في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة, قد بدأت فك المذهبات استعداداً لإنزال الثوب القديم، وإكساء الكعبة بثوبها الجديد، جرياً على العادة السنوية، وسط منظومة متكاملة من الخدمات التي تراعي في مخرجاتها أعلى المعايير العالمية.
ويشرف فريق مختص مدرب ومؤهل علمياً وعملياً على أعمال الفك ومراحل تبديل ثوب الكعبة الأساسية، المتمثلة في رفع الثوب القديم، ونزع المذهبات، واستبدال الثوب القديم بالجديد، وأخيراً إسدال الكسوة، كما يبلغ عدد مذهبات كسوة الكعبة المشرفة (53) قطعة مذهبة، منها (16) قطعة للحزام، و(7) قطع تحت الحزام، و(4) صمديات، و (17) قنديلاً، و(5) قطع لستارة الباب، وقطعة للركن اليماني، و(2) كينار، وحلية الميزاب.
ويضم الكادر التشغيلي السعودي (114) صانعًا حرفيًّا متمكنًا يعمل على إنتاج (56) قطعة مذهبة على كسوة الكعبة، حيث تتم جميع الأعمال بشكل يدوي، ويستغرق العمل على القطعة المذهبة الواحدة ما بين 60 إلى 120 يومًا، وكمية أسلاك الذهب والفضة المستخدمة في القطع المذهبة على كسوة الكعبة 120 كيلوجرامًا من الذهب، و100 كيلوجرام من الفضة.
وكانت قصة كسوة الكعبة المشرفة قد بدأت كأول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة، في دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام (1346) هـ، بتكلفة سنوية تجاوزت حالياً (20) مليون ريال سعودي، وتتم حياكتها وتطريزها كل عام بخيوط من الحرير والذهب والفضة بمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الواقع بأم الجود في مكة المكرمة، لتكون جاهزة ليوم تغييرها الذي سيكون هذا العام في غرة محرم 1445هـ.
وتوالى الاهتمام والعناية بصناعة الكسوة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، وأبنائه من بعده، ففي بدايات الثمانينيات الهجرية أمر الملك سعود بن عبدالعزيز بتجهيز مصنع الكسوة المشرفة، وأسند هذه المهمة حينها إلى أخيه الملك فيصل، الذي كلَّف وزير الحج والأوقاف حسين عرب، فاختار مبنًى تابعاً لوزارة المالية في جرول، حيث تم الانتهاء من أول كسوة تصنع بالمصنع الجديد بعد عمل استمر ثلاثة أشهر، وكُتب عليها نص الإهداء التالي: «صُنعت هذه الكسوة في مكة المكرمة وأهداها إلى الكعبة المشرفة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود تقبل الله منه».
واستمرت هذه العناية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، ثم الملك خالد، والملك فهد -رحمهم الله-، حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة (1397هـ) إلى مبناه الجديد بأم الجود، وجُهّز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة، وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها.
وصدرت موافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة المشرفة، بما يوافق الأنظمة المستحدثة، وتعد هذه الخطوة نقلةً تطويريةً متقدمةً في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة.
وتكريماً للملك المؤسس، صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- يوم الثلاثاء 13 شعبان 1439هـ بتغيير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة الذي يعدُّ من أكبر مجمعات تصنيع الحرير وتطريزه ونحته، ابتداءً من تصنيع الخيوط الحريرية، وحياكتها، وطباعة الرموز على القماش الحريري.
ويدخل بعدها إلى قسم التطريز بالمذهبات، ثم يحوّل لقسم التجميع ثم الحشو للحروف بالقطن لإعطاء البروز والجمال للحرف في أثناء التطريز، ثم بعد ذلك يقومون بعملية التطريز التي تكون بالأسلاك الفضية المطلية بماء الذهب والأسلاك الفضية المخالصة، ثم يكون الثوب جاهزاً للاستبدال.
وقد منَّ الله على المملكة العربية السعودية باستدامة هذه الصناعة وتطويرها وإدخال كل السبل التقنية الحديثة التي أسهمت في تمكين المجمع من إنتاج الثوب، ومن أهم ما تم استحداثه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- توفير ماكينة «تاجيما»، وماكينة الجاكارد، التي تقوم بصناعة ثوب الكعبة المشرفة المنقوش بالتسبيحات والقناديل المذهبة والكلمات وهي: «يا الله، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ويا ديّان، ويا منّان، ولا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتتم هذه العملية بواسطة الفريق الفني المختص من الأيدي الوطنية المدربة المؤهلة على هذه الماكينة التي تحتوي على أكثر من 9 آلاف وتر من الحرير، والثوب تستغرق صناعته من 6 إلى 8 أشهر، ويعمل في صناعته أكثر من (200) صانع على مدار السنة.
وتمر مراحل كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية، وتبدأ بمرحلة الصباغة، وهي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع، حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية والمنسوخة، ثم قسم المختبر الذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية؛ من أجل التأكد من مطابقتها المواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية، إضافةً إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك, يأتي بعدها مرحلة الطباعة التي يتكون منها قسم الحزام والتطريز وقسم خياطة الكسوة, ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وكسوة الكعبة التي تزن (850) كيلوجراماً، ومقسمة على (47) قطعة قماش بعرض (98سم)، وارتفاع (14م)، تطرز بخيوط من الذهب والفضة، ويصل عدد قطع المذهبات إلى (54) قطعة على الكعبة، في قسم متخصص باسم «تطريز المذهبات» بالمجمع، وذلك باستخدام (120) كيلوجراماً من المذهبات، و(100) كيلوجرام من الفضة المطلية بماء الذهب، و(760) كيلوجراماً من الحرير. وعند الانتهاء من جميع مراحل الإنتاج والتصنيع، وفي منتصف شهر ذي القعدة، يقام حفل سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتسلّم الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي بدوره يقوم بتسليمها إلى الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي، أما هذا العام فقد صدر أمر ملكي بتسليم كسوة الكعبة في العاشر من شهر ذي الحجة.
وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها وهي «ستارة باب الكعبة المشرفة» من أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعد الانتهاء منها يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاثة أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) المعروفة بعملية «إحرام الكعبة».