محمد سليمان العنقري
قبل أيام أعلن رئيس وزراء بريطانيا أنه سيقف بوجه المؤسسات التعليمية التي تدرس تخصصات جامعية غير مرغوبة بسوق العمل بل وأكد حرصه على دفع الطلاب نحو دخول سوق العمل عبر البرامج التدريبية التي تقدمها الشركات، وبما أن الجامعات أعلنت عن بدء استقبال طلبات المفاضلة للطلاب للعام الدراسي القادم فإن السؤال الذي يُطرح هل ستتغير توجهات القبول الجامعي للتخصصات التي يحتاجها سوق العمل بنسبة كبيرة وهل تم إقفال أو تقليل القبول بأقسام نسبة العاطلين من خريجيها مرتفعة ولا يوجد لهم فرص إلا بتأهيلهم من جديد؟ فالمرحلة الحالية والقادمة يتركز النشاط الاقتصادي فيها على مجالات عديدة بقطاعات الصناعة والخدمات ولابد أن تحظى بنصيب كبير من الاهتمام بتوجيه الطلاب للتخصصات المناسبة لها والتي تعطيهم أفضلية في التوظيف وتلبي احتياجات سوق العمل في ذات الوقت.
فالقطاعات الاقتصادية التي تحتاج لقوى عاملة بأعداد كبيرة أصبحت عديدة منها الصناعات التعدينية والتحويلية عموماً وكذلك الخدمات اللوجستية وأيضاً قطاعا السياحة والترفيه والقطاع الثقافي والقطاع المالي وكافة القطاعات التقنية والصحية والهندسية, ولذلك فإن من المهم أن يركز الطلاب على اختيار التخصصات التي ترتبط بهذه المجالات حسب قدراتهم وميولهم, بالإضافة إلى التخصصات في الكليات التقنية والمعاهد الفنية حسب احتياج السوق, فالإنفاق على التعليم بالمملكة يمثل نسبة كبيرة من الموارنة العامة وحتى تنعكس كفاءة الإنفاق إيجاباً لابد أن يكون التركيز على ما يطلبه سوق العمل للاستفادة القصوى من رأس المال البشري، لأن المأمول أيضاً أن تنشط الحملات الإعلامية التوعوية حول التخصصات المطلوبة في سوق العمل من خلال البيانات التي توضح حجم الاحتياج لكل تخصص حالياً ومستقبلاً, بالإضافة للتعريف بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تعد رئيسية في مستهدفات الرؤية, فالمشاريع الضخمة التي تنجز حالياً بمختلف مناطق المملكة مثل نيوم والبحر الأحمر والقدية ومشاريع التطوير العقاري والتغيير الكبير نحو التحول الرقمي تستوجب تهيئة كوادر مؤهلة مسلحة بالمهارات والتخصصات المناسبة مما يخفض نسب البطالة ويضعها ضمن المعدلات المنخفضة بما يتناسب مع حجم ما سيوفره الاقتصاد من فرص عمل نوعية, فالعالم اليوم تتسارع فيه الخطوات لإدخال التقنية بعمل كل تخصص ومستقبلاً لابد أن تكون نسبة كبيرة من مهاراتك هي التعامل مع التقنية التي ستصبح هي اليد العاملة بينما القوى البشرية ستشغل هذه التقنيات, فالذكاء الاصطناعي يجتاح كافة القطاعات بسرعة غير مسبوقة ولذلك فإن التوجه للتخصصات الجامعية لابد أن تكون بما يتناسب مع احتياجات القطاعات التي ستطلب يداً عاملة بشكل كثيف بالإضافة إلى التغيير في أساليب ومناهج التعليم فيها لكي يكون الخريج جاهزاً للسوق وللتطور التقني الذي أدخل بكل الأنشطة الاقتصادية.
سوق العمل بالمملكة يتوسع وتزداد الفرص النوعية فيه مع التحول الاقتصادي الكبير فيه وحجم الضخ الاستثماري الذي يقدر أن يصل إلى 27 تريليون ريال خلال هذا العقد واختيار التخصص الحامعي والمهني المناسب هو أحد أهم معايير نجاح رفع دور القوى العاملة الوطنية بتشغيل الاقتصاد ودعم الإنفاق الاستهلاكي ويذكر هنا أن بعض الدراسات الدولية بينت أن 45 بالمائة من الوظائف تحتاج لتخصص جامعي بينما 40 بالمائة ممن خضعوا للدراسة لم تكن وظائفهم ذات علاقة بتخصصاتهم بينما قالت وزارة العمل الأمريكية إن 25 بالمائة من العاملين يغيرون مجالاتهم الوظيفية كل ثلاث سنوات نظراً لبعدها عن تخصصاتهم فاستشراف مستقبل سوق العمل يعد من الدراسات ذات الأهمية الكبيرة لكي تتطابق مع الخطط الاقتصادية والتنمية المستدامة.