م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - مهمة التأطير الإعلامي هي تأكيد معنى معينٍ أو نفيه، مستغلة طريقة التقديم التي تتسق مع عقلية وثقافة المتلقي، والانطباعات الأولية التي يدركها وتؤثر على حكمه على الوقائع أو الأحداث أو الأشخاص.. وذلك من خلال وصف الحدث أو القضية أو الشخص بشكل يتوافق مع أهداف وتوجهات المؤسسة الإعلامية المرسلة للخبر.
2 - طريقة التأطير الإعلامي تقوم على انتقاء وإبراز العناصر المطلوب إظهارها في الخبر ووضعها داخل الإطار، وترك بقية العناصر المطلوب إغفالها خارج الإطار.. ويتحكم في مدى نجاح العملية مدى اهتمام المتلقين للخبر، وهل هم أغلبية أم أقلية، وما هي طبيعة الأحداث المتزامنة معها أو ذات الصلة بها، ودرجة حداثة الخبر أو قِدَمِه، ومدى تفاعل الجهات أو الفئات المؤثرة في المجتمع مع الموضوع.
3 - وسيلة التأطير الإعلامي تعتمد على عناصر الخبر مثل: الكلمات المفتاحية للخبر، الوصف العام للموضوع، المفاهيم والمعاني المقصودة من الخبر، الرموز المستخدمة، الصور المرافقة، وموقع نشر الخبر.. وهذه كلها أدوات أساسية لتأطير الخبر حتى يصبح قادراً على أداء مهمته وهي التوجيه، ولن يتم ذلك دون تكرار كلمات أو صور معينة، والإشارة إلى أفكار محددة والتركيز عليها.
4 - خطوات تنفيذ عملية التأطير تبدأ من معرفة المساحة المتاحة للخبر، ومعدل التكرار، وموقع الخبر في الصحيفة وأولويته في البث أو النشر، والمدة الزمنية للبث، وآليات البث أو النشر، وعدد الوسائل المستخدمة.. إلخ.. ومن ثم تحديد أسلوب الوسيلة الإعلامية في نقل الخبر، ومدى جودة وكمية الصور والمواد المصاحبة للخبر والتي تخدم المعنى المطلوب إيصاله.. وتصنيف الخبر وهل هو اجتماعي، أم سياسي، أم اقتصادي، أم جنائي.. إلخ.
5 - إذا كانت نظرية التأطير الإعلامي حديثة النشأة إلا أن الأصول المؤسِّسة لها قديمة جداً، ولعل «جوبلز» وزير الدعاية في ألمانيا النازية إبان الحرب العالية الثانية خير من قدمها بقوله الشهير: (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس).. فالتكرار والإلحاح وإبراز العناصر المطلوبة في الخبر، ودعم ارتباطها بقضايا الناس واهتماماتهم وسائل لنجاح عملية التأطير.
6 - التأطير الإعلامي يمكن أن يكون أحد أدوات المؤسسة الإعلامية لتنفيذ سياسة تحريرية بعينها، أو يكون بتوجيه حكومي يُعَرِّض المؤسسة الإعلامية للعقاب إن لم تتبعه.. ويمكن أن يكون إجراءً خاصاً مدفوع الثمن من قبل أشخاص أو جهات اعتبارية لها غاياتها الخاصة.
7 - التأطير الإعلامي نزع عن الأخبار براءتها ومصداقيتها، وأصبح لدى الجميع شعور بأنها مصنوعة أو موجهة.. ولم تعد (المجتمعات على دين إذاعاتها) كما كان يقول خبراء الاتصال.. فالأخبار لم تعد معنىً مجرداً وليس لها انحياز، والحقيقة أن الخبر أصبح سلعة تُباع وتُشترى.. وأصبحت الوسيلة الإعلامية هي التي تقرر ما هو الخبر وما ليس بالخبر.. حتى إجراء الدراسات والاستقصاءات والمسوحات البيانية لمعرفة توجهات الناس وآرائهم تجاه الأحداث القضايا والأشخاص أصبحت هي الأخرى موجهة، مما أفقدها مصداقيتها.
8 - الإعلام لم يعد وسيلة نقل واتصال بل صار وسيلة توجيه رأي عام.. وأدواته في هذا هي التأطير الإعلامي الذي يصنع ويفبرك وينتقي ويُبْرِز ويُهمّش باستخدام آليات التكرار، والتأكيد، والتحيز، وإخفاء المعلومات، والكلمات الوصفية المنتقاة، ونقل التصريحات المؤيدة للحليف أو المهاجمة لغير الحليف، واستضافة أصحاب وجهات النظر التي تخدم التوجه المطلوب.. من هنا يتضح أن دور وسائل الإعلام يتجاوز تقديم المحتوى الإعلامي فقط إلى بناء معنى لهذا المحتوى.. بمعنى أن التأطير الإعلامي فكر وصناعة تقوم على دراسة كيف يفكر المتلقي وكيف يتم صناعة المحتوى بالشكل الذي يناسب تفكيره.
9 - لعل أفضل وأقدم مثال للتأطير الإعلامي هو حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان، فقال عمرو: مطاع في أدْنَيْه (أي أقاربه)، شديد العارضة، مانعٌ لما وراء ظهره، فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا، ولكنه حسدني، فقال عمرو: أما والله إنه لزَمِرُ المروءة، ضيِّق العَطَن، أحمق الولد، لئيم الخال، والله يا رسول الله ما كذبتُ في الأولى، ولقد صدقتُ في الأخرى، ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أقبح ما وجدت، فقال صلى الله عليه وسلم «إن من البيان لسحراً».