رمضان جريدي العنزي
نحن نعيش عصر صناعة التفاهة بكل أشكالها وألوانها المختلفة، عصر خرج علينا فيه التافهون وأخذوا يتحدثون بالسياسة والاقتصاد والدين والثقافة والفكر وغير ذلك من مجالات الحياة المتنوعة، بلا علم ولا فكر ولا قيم ولا أخلاق، إنهم (الرويبضة) والذين حذرنا منهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)، لقد خرجوا علينا بالآلاف يهرفون بما لا يعرفون، وينطقون بما لا يفقهون، ويتمنطقون بما لا يعون، وينظرون بلا وعي ولا مضمون، وفق منتجات واهنة لا تقدم ولا تؤخر، المال معيارهم الأول، هدفهم الأوحد غايتهم ومشتهاهم، أينما وليت وجهك شرقاً وغرباً، أم أي اتجاه رغبت، فإنك تجد صناع التفاهة أمامك بهيئات وأشكال وألوان مختلفة ومتنوعة، لم تعد الشهادة الأكاديمية، ولا الخبرات العملية المتراكمة تهم، فكلما كنت أكثر تفاهة، كلما صرت ناجحاً وكاسباً ومميزاً، وعدد المتابعين والمشاهدات عندك لا تعد ولا تحصى.
لقد تجمد العقل الواعي، والفكر الناضج، أمام هذا الهول الكبير من التفاهة الخارقة للوعي والاستيعاب، لقد بلغت التفاهة مجدها، وسقط أمامها الجد، وانحدر عندها الفكر والعلم، وأخذ الناس على مختلف أعمارهم يركضون خلف التافهين، عيونهم متطلعه عليهم، وأعناقهم مشرئبة نحوهم، يبحثون عن متعة زائفة، لقد أصبحت التقاهة مثل بحر لجي الذي تركب فيه الظلمة بعضها البعض، لقد مات الكتاب، وانتحرت القراءة الجادة، وانقبر الفكر في أجداث التفاهة والحماقة والجهل والطيش، إن العقل والفكر والرزانة والوقار أصبحت تصارع في حرب التفاهة الضروس، في محاولة للانتصار، لكن أرضهم ضيقة مقارنة بأرض التفاهة الواسعة والكبيرة، وعددهم قليل مقارنة بجحافل التفاهة الكثيف، هذا هو حال الفكر القويم أصبح ينوح كالثكلى، وينتحب في زمن الرقميات العجيب.
إن ما نشاهده ونراه من بثوث تافهة، ومحتويات رديئة، وطروحات واهنة، وكلام ساقط، خادش للحياء، وفضح للمستور، ونشر للأسرار، وكذب ولغو وافتراء، أمرٌ يندى له الجبين، ويرفضه العقل الحليم، ويمجه المنطق السليم، وتدمع له العين الصافية، إن صناعة التفاهة بكل أسف، غلبت صناعة الإبداع، ولكي نقوم بتصحيح المسار قبل فوات الأوان، علينا أن ننأى عن صناعة التفاهة، والتفاخر بها، والاحتفاء بها، إننا لا نستطيع على الوجه المطلق أن نلغي التفاهة بشكل تام، ولا أن نجحد وجودها منذ الأزل، لكن علينا أن نحيدها بكل الطرق المتاحة، لكي نحمي أنفسنا وأطفالنا وأجيالنا من طغيانها وتياراتها العاتية، قبل أن تستشري بشكل أكبر وأعم وأشمل، وقبل أن تضيع الموازين عن مواقعها الصحيحة، علينا أن نشرع بصناعة عقل جديد جميل، مبدع وراقٍ، ولكي تصبح الأشجار وارفة، والثمار يانعة، علينا أن نتعهدها بالسقي، ونشذب أفنانها، ونعتني بها، فاليوم زرع واعتناء، وغداً حصاد جميل.