عبدالوهاب الفايز
حين يطرح أعضاء مجلس الشورى الآراء والمقترحات والتوصيات في الشأن العام.. الأمر المهم والمطمئن أن هذه الآراء يتم عرضها تحت قبة المجلس انطلاقاً من متطلبات وضرورات المصلحة العامة، وبعيدًا عن الانحيازات أو المرجعيات، وهذا ما يريده ولي الأمر، أي الرأي الملتزم بمصالح وثوابت الدولة العليا.
وهذه الثوابت يضعها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، أمام أعضاء المجلس في خطاباته السنوية، ومنها ما ورد خلال افتتاحه أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، حيث أكد على أنه «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحلٍ يرى في حربنا على التطرف وسيلةً لنشر الانحلال». هذه هي الغاية الكبرى المتوازنة التي يريدها ولي الأمر، الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
وهذه الغاية العظيمة هي التي تجعل الناس تتفاعل مع الآراء والتعليقات والمقترحات التي يوردها أعضاء مجلس الشورى، فهذه أصبحت تستقطب الاهتمام وتجد التقدير لكونها تعبر عمَّا في نفوسهم. المجلس مؤسسة سيادية يحرص عليها ويدعمها ولي الأمر لتكون المكان الأمثل للأعضاء لتقديم ما يرونه يخدم المصلحة العامة، انطلاقاً من دورهم ومسؤولياتهم الوطنية والدينية التي أقسموا عليها أمام ولي الأمر الذي اختارهم ليكونوا ممثلين للشعب.
وبتواصل المساهمات النوعية للأعضاء، أصبح للمجلس حضوره الإيجابي الملموس في الشأن العام. وكما ذكرت سابقاً في هذا المكان، فالأعضاء يقدمون لولي الأمر وللحكومة الرأي والمشورة، ويبرزون القضايا الآنية التي يعاني منها المجتمع، وقد عوضوا كثيراً عن الدور المفقود لوسائل الإعلام المحلية التي تراجعت فيها مساحات العرض العميق والدقيق للمشاكل التي تواجه الناس.
من الموضوعات التي تهم الناس وتزعجهم، وتناولها أعضاء المجلس مؤخراً، ظاهرة توسع محلات بيع الشيشة والمعسل، وأيضاً توسع المطاعم و(اللاونجات) التي تتيح التدخين في الأماكن المغلقة، والتي أصبحت تستقطب شريحة الشباب وتبقى مفتوحة حتى الفجر. والغريب أنها حلّت مكان المطاعم والمقاهي، (وهذه ظاهرة تستحق الدراسة)، وأصبحت تتواجد في الشوارع الرئيسية وبواجهات مظلمة، وتحولت لمصدر إزعاج للسكان المجاورين الذين أصبحوا يعانون من استمرار حركة السيارات حتى الفجر، ويعانون من الأصوات الصاخبة ورائحة التبغ.
في مداخلة لأحد أعضاء مجلس الشورى على تقرير مجلس الأسرة، نبه إلى التحديات التي تواجهها (الأسر في سبيل تربية أبنائها وبناتها، في ظل تعدد الفتن والمغريات والشرور). وحذر من خطورة توسع ساعات العمل في الأسواق والمقاهي والمطاعم والتي تبقى (مفتوحة 24 ساعة، يرتادها الجميع بمختلف الأعمار ودون قيود محددة على الوقت والعمر والمظهر). وما استقطب اهتمام الناس إشارته إلى ما يسمى (اللاونجات) التي (انتشرت في كل شارع تقريباً، تحتضن خلف زجاجها المظلم شباباً وشابات بأعمار الزهور، وتغريهم بموسيقى صاخبة ودخان السجائر والمعسل طوال اليوم، والتي يرى الخبراء أنها البوابة للمخدرات وبعض أشكال الجريمة للمراهقين والمراهقات).
ما ورد في المجلس، وما أبداه الناس من تفاعل ومطالبة بضرورة مراجعة وتصحيح أوضاع افتتاح وتشغيل وارتياد ومراقبة المقاهي واللاونجات، موضوع يستحق اهتمام الجهات المعنية في الحكومة لأن المتضرر الأكبر منها هم المواطنون وخصوصاً الشباب. الذي يخدم المصلحة العامة ضرورة تفعيل الأنظمة والقوانين المقرة من مجلس الوزراء.. بالذات الأنظمة التي تساعد على ضبط محلات الاستقطاب الليلي للشباب والمراهقين.
المؤكد.. ليس لدينا فراغ في التشريع والتنظيم. مشكلتنا في عدم تفعيل الأنظمة واللوائح التي تعنى بتقنين الترخيص لافتتاح وتشغيل وضمان الرقابة على هذه الأماكن. فلدينا أنظمة تُعنى براحة السكان، ومتطلبات جودة الحياة، ونظام الضوضاء، ونظام الذوق العام.. والأهم: لدينا (متطلبات الصحة في كل السياسات)، ولدينا الإرادة والبرامج الوطنية لمحاربة المخدرات وترسيخ الأمن والنماء.
ولكن وضع اللاونجات والمقاهي الراهن التي تقدم المعسلات، وفي أجواء مغلقة وموسيقى صاخبة، تضعنا أمام مصدر خطر وتهديد للصحة العامة والأمن. وهذا يجعلنا نتساءل: من قام بالترخيص لهذه اللاونجات، هل أخذ في الاعتبار الأنظمة المعتمدة، ورجع إلى مبدأ (الصحة في كل السياسات)، وهو المبدأ الذي وافق عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، لاعتماده ضمن مدخلات صُنع السياسات الحكومية. والمبدأ يستهدف (إدخال اعتبارات الصحة والاستدامة في عملية صنع القرار بكافة القطاعات). السؤال: هل خضع قرار السماح للتدخين في الأماكن المغلقة بجوار الأحياء السكنية للاعتبارات الصحية؟
في السعودية هذه الإحصائيات: نسبة المدخنين تصل إلى 20 بالمئة من السكان، وعدد الوفيات بسبب الأمراض التي يتسبب بها التدخين تجاوزت الـ 23 ألف شخص سنوياً، وتقدر نسبة الطلاب المدخنين بـ13%. ثم هناك الأخطر المخيف وهو ارتباط التدخين بالمخدرات، فالدراسات وجدت أن 90 % ممن تعاطوا المخدرات جربوا التدخين في الصغر، أي أن التدخين بوابة للمخدرات.
لتلافي المخاطر الصحية، ولحفظ شبابنا من مخاطر التدخين والمخدرات وما يصاحبها من آفات، نحتاج التفعيل القوي للأنظمة التي تحكم الأنشطة التجارية والاستثمارية، وأفضل آلية لتفعيل الأنظمة تتحقق عبر تطوير طريقة البلاغات عن المخالفات. ربما نحتاج بناء مشروع جديد يوحِّد مكان البلاغات التي تمس الأمور الحساسة لحياة الناس وسلامتها وأمنها. مع تعدد وتوسع الأنظمة التي تحكم الشأن العام وهذه من الأمور الإيجابية الضرورية لبناء دولة المؤسسات، ولبناء مقومات المواطن الصالح. الحكومة واجبها تهيئة الظروف التي تضمن للناس المساهمة في حفظ أمنها واستقرارها. رحلة العميل مع أرقام البلاغات غير مريحة والشكوى مستمرة ويكفي الاطلاع على تفاعل الناس مع حسابات التواصل الاجتماعي للأجهزة الحكومية الخدمية.
لدينا خطوة إيجابية (سبق الحديث عنها في هذه الجريدة) وهي إطلاق هيئة الحكومة الرقمية خدمة (بلاغ رقمي) من خلال مركز (آمر).. الذي يتيح للناس تصعيد الشكاوى التي لا تتم الاستجابة لها. وقلنا إن هذه المبادرة سوف تجعل التطبيقات الإلكترونية الحكومية المخصصة لتقديم الخدمات وتسهيل التواصل مع الجمهور فعالة وليس مجرد: واجهات.
التوصية: الذي يخدم المصلحة العامة إيجاد رقم موحد لاستقبال البلاغات، فهذه آلية عملية لتفعيل الأنظمة التي تحكم الشأن العام وتعطي الفرصة للأجهزة الحكومية للتعاون والتعاضد لاستخدام الموارد البشرية والمالية في الأمور التشغيلية، فالمواطن في النهاية يهمه الحصول على الخدمة من الحكومة.