فهد صالح العبدالواحد
ما هي الحياة إن لم يعرفك أحد باسمك الأول؟
ولا يميز وجهك بين الوجوه؟
الآن، إذا ذهبت قاصدًا القهوة، وبمجرد دخولي محل القهوة المعتاد، يقوم مايكل الفلبيني، بتحضير قهوتي المعتادة، دون أن أطلب شيئًا، يناولني كوب القهوة ويقول: «صباح الخير فهد». فهو يعرف طلبي المعتاد، ويعرف اسمي.
وإذا ذهبت لتناول وجبة فطور الفول بعد صلاة الفجر، يأتي طلبي دون أن أتحدث مع أحد.
عبدو يعرف طبق الفول بالبهارات التي أحبها، ويعرف حتى كمية السكر التي أرغبها في الشاهي.
وجهي مألوف لهم، وأسماؤهم معروفة لدي.
علاقة إنسانية رائعة، أشعر بالغصة حين أعرف أنني سأفتقدها في رحلة البحث عن العلم وأنا أغادر التعليم الثانوي.
ولكن البحث عن العلم، رسالة مهمة، حتى وإن كان الابتعاث في دول بعيدة عن المجتمع.
هل سأتبع العادات الغربية حين أغادر مجتمعي الجميل؟
بالطبع لا، فأنا أريد أن أبقى كما الغصن من الشجرة. يتفرع من جذع، وينمو من ذات الجذور.
لا شك لديّ أن الفرع الذي ينسلخ من شجرته سيصبح وحيدًا، وأفضل حال قد يكون عليه في المستقبل، هو حطبًا تأكله النار.
ولكن...
هل سيتغير المجتمع دوني؟
لا يبقى شيء على حاله بالطبع، ولكن سيبقى الجميع ضمن هذه الشجرة العظيمة، وإن تباينت الأغصان.
لابد أن المجتمع سيتغير عندما أعود من رحلة البحث عن العلم.
عندما أعود لوطني، ستكون نورة، بنت الوطن هي التي تعمل لكسب لقمة العيش في محل القهوة.
وفي المسجد لن أرى الوجوه التي كانت تصلي معي، وكانت لنا عشرة جميلة. سوف أتأمل، أين أخذتهم حياتهم؟
ولا شك لديّ بانهم يريدون أن يعلموا أين أخذتني حياتي، ولكن لا نستطيع إلا أن نتخيل.
أتذكر من كان يعلمني.
تلك الدروس المتميزة، وذلك العقاب عندما أخطئ بالإعراب في درس اللغة العربية. المدرس لا يسمح لي أنا بالذات بأي خطأ.
ها هي التضحيات التي نفعلها حين نريد خدمة ديننا وأوطاننا.
نذهب نحمل معنا الطموح، والخوف، لكي نرجع علماء.
نعم، المجتمع يتطور دون انتظارنا، ومن يعتقد أننا ذهبنا إخوة، وعدنا غرباء، فهو مخطئ، لأن جذورنا التي تنبت من أرض مباركة، ستعيدنا إلى الجمال.
سأكون إن شاء الله فرعًا جديدًا من ذات الشجرة، التي تنتج الثمار لهذا الوطن المعطاء.
الجميل أن الأشجار المثمرة تقوم بتوزيع حمل الثمار على أغصانها، فالأغصان القوية تحمل الوزن الأكبر من الثمار. ومن يرغب بالحصول على ماء أكثر من جذع الشجرة، عليه أن يحافظ على الثمار الأكثر في غصنه.
سأكون فرحًا ومسرورًا عندما أقوم بالمزيد من الأعمال مقارنة مع أقراني.
فأنا فرع الشجرة الصلب، الذي يحمل الثمار الأكثر وزنًا.