فضل بن سعد البوعينين
ملف الطاقة، أحد أهم مرتكزات الشراكة الإستراتيجية مع اليابان، لذا لم يكن مستغربا تصدره الموضوعات المطروحة للنقاش من قبل رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا خلال زيارته السعودية.
شكلت العلاقات السعودية اليابانية، في مجال المواد الهيدروكربونية قاعدة العلاقات الاقتصادية بالإضافة إلى الشراكة التجارية بين البلدين، الممتدة لنحو سبعة عقود. وبالرغم من العلاقات التجارية التاريخية إلا أن الاستثمارات اليابانية في السوق المحلية ما زالت محدودة مقارنة باستثمارات أجنبية لدول أخرى حديثة عهد بشراكتها مع السعودية.
تبحث اليابان عن مصادر مستدامة وموثوقة للطاقة. تأمين إمدادات نفطية ثابتة إلى رابع أكبر مستورد للنفط في العالم يشكل أولوية لرئيس الوزراء الياباني خلال زيارته المنطقة، وهو أيضا من أولويات المملكة، وجزء رئيس من سياستها النفطية. فهي شريك موثوق ومسؤول تضع من بين أهدافها حماية الاقتصاد العالمي من الأزمات، وتعزيز نموه، ومعالجة إختلالات أسواق النفط، والوفاء بالتزاماتها تجاه شركائها في جميع الأوقات. لم يسبق للمملكة الإخلال بالتزاماتها النفطية، حتى في أحلك الظروف.
وفيما يتعلق باليابان، فالمملكة مستمرة في تحقيق أمن الإمدادات النفطية لها، يعزز ذلك التوجه تخزين النفط السعودي في مرفق الخزن الإستراتيجي في جزيرة أوكيناوا، وبما يضمن استدامة الإمدادات ومواجهة التحديات الطارئة.
اهتمام الجانب الياباني بأمن الطاقة يقابله اهتمام سعودي بتعزيز الاستثمارات اليابانية النوعية في قطاعات مختلفة ومنها قطاع الطاقة النظيفة، التكنلوجيا، والتقنيات المالية الحديثة، التعدين، الخدمات اللوجستية وغيرها من القطاعات الاقتصادية المعززة لأهداف رؤية السعودية 2030. يعكس حجم الوفد المرافق لرئيس الوزراء الياباني، ومن بينهم رؤساء أكبر الشركات اليابانية، رغبة لتعزيز الشراكة الاستثمارية مع المملكة. وأحسب أنها فرصة للبلدين، يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الإستراتيجية والإنتقال بها إلى مستويات متقدمة تشمل جميع القطاعات، وليس الطاقة فحسب. هناك الكثير من الفرص الاستثمارية المنبثقة عن رؤية 2030 بما فيها الطاقة النظيفة، والمشروعات الكبرى، والصناعات التكنلوجية المتقدمة، والتعدين الذي يعتبر من أهم القطاعات المساندة للصناعات اليابانية.
رئيس الوزراء الياباني أكد خلال زيارته الالتزام بتعزيز الاستثمارات المشتركة مع السعودية، ودعمها بالتكنولوجيا الحديثة للحصول على الطاقة النظيفة، وتعزيز التعاون في مجال أشباه الموصلات، كما أكد حرصه على أن تكون السعودية وجهة للاستثمارات اليابانية في قطاع التعدين.
26 اتفاقية تم توقيعها في مجالات عدة، ويبقى التحدي الأكبر في تنفيذها، وتفعيل جميع الإتفاقيات السابقة، وضخ الاستثمارات النوعية المعززة للشراكة الإستراتيجية.
وزارة الاستثمار معنية بتفعيل الإتفاقيات وضمان تفعيلها، وإزالة التحديات من أمامها، كما أن للقطاع الخاص دور رئيس في تحقيق ذلك الهدف. من المهم الانتقال من مرحلة الدبلوماسية الاستثمارية والاقتصادية الشكلية إلى الدبلوماسية النوعية الضامنة لتعزيز حجم الاستثمارات اليابانية في السوق السعودية. فضمان إمدادات النفط ينضوي على تكاليف باهظة يفترض أن يقابلها مشروعات استثمارية تسهم في تطوير الصناعة، ونقل التقنية، وخلق الوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يحتاجه الاقتصاد السعودي في رحلته نحو تنويع مصادره ورفع مساهمة قطاعاته المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز دور القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للاقتصاد مستقبلا.