أ.د.عثمان بن صالح العامر
من نافلة القول إن الأسرة هي الأساس في التربية، وخطُّ الحماية الأول في الوقاية من الانحراف القيمي والسلوكي والجريمة، والأبوان هما المسؤولان قبل غيرهما عن من تحت يديهما من بنين وبنات، ولذا كان التشديد الرباني والتأكيد الإلهي على واجب الرعاية الشمولية الروحية والعقلية والجسدية للذرية من قبل هذا الكيان الهام في البناء الهرمي الاجتماعي الإسلامي، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق يولي ولاة الأمر في بلادنا العزيزة حفظهم الله جل اهتماهم وعظيم رعايتهم للأسرة السعودية، ولا أدل على ذلك من نص النظام الأساسي للحكم في بابه الثالث (مقومات المجتمع السعودي) حيث نصت المادة التاسعة (الأسرة: هي نواة المجتمع السعودي. ويُربّى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر. واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد). وفي المادة العاشرة جاء ما نصه: (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم).
وفي رؤية المملكة 2030، جاء تحت عنوان (مجتمع حيوي.. بنيانه متين) ما نصه: (هدفنا هو تعزيز مبادئ الرعاية الاجتماعية وتطويرها لبناء مجتمع قوي ومنتج، من خلال تعزيز دور الأسرة وقيامها بمسؤولياتها، وتوفير التعليم القادر على بناء الشخصية، وإرساء منظومة اجتماعية وصحية ممكّنة). ثم تبعه مباشرة التأكيد على أهمية الأسرة بصورة خاصة، (نهتمّ بأسرنا)، (الأسرة هي نواة المجتمع، حيث إنها تمثل الحاضنة الأولى للأبناء، والراعي الرئيس لاحتياجاتهم، والحامي للمجتمع من التفكك. ولعلّ أبرز ما يميّز مجتمعنا التزامه بالمبادئ والقيم الإسلامية، وقوة روابطه الأسرية وامتدادها، مما يحثّنا على تزويد الأسرة بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها وتنمية ملكاتهم وقدراتهم. ولنصل إلى هذه الغاية، سنعمل على إشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية، كما سنعمل على مساعدتهم في بناء شخصيات أطفالهم ومواهبهم حتى يكونوا عناصر فاعلة في بناء مجتمعهم، وسنشجع الأسر على تبني ثقافة التخطيط بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لها، وبما يمكنها من توفير احتياجات أبنائها والعناية بهم على أكمل وجه).
ويسجل لحكومة المملكة العربية السعودية خارجياً تحفظها على جميع ما جاء في المواثيق الدولية والمؤتمرات العالمية وبنود الهيئات الحقوقية المخالفة للشريعة الإسلامية ذات المساس بمؤسسة الأسرة بكل شفافية ومصداقية ووضوح. في الوقت الذي دعمت فيه القيادة الحكيمة جميع الجهود الرسمية والأهلية الرامية إلى ضمان استقرار البناء الأسري السعودي وتعزيز دوره التربوي والتنموي، فجاء قرار مجلس الوزراء رقم (433) بتاريخ 20/ 10/ 1437هـ بتنظيم مجلس شؤون الأسرة الذي أنشىء ليكون نقلةً نوعية في مسيرة العمل الاجتماعي والتنموي بالمملكة، وليأخذ بهما إلى آفاق واسعة من خلال عمل مؤسسي جاد تكون مخرجاته تمكيناً ودعماً لكل فئات المجتمع بشكل يتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي التي تراعي التنوع والشمولية. إضافة إلى ذلك فهناك هيئة حقوق الإنسان، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وجمعيات الأسرة المنتشرة في جميع مناطق المملكة بل وحتى في بعض المدن والمحافظات. وتبقى الأسرة السعودية وحدة أساس وركناً ثابتاً ولبنة قوية في وجه التحديات المعاصرة التي تهب من كل حدب وصوب، وهي المعول عليها أولاً في ضمان الحماية والحفظ للنشء بعد عون الله وتوفيقه، وفي هذا السياق المجتمعي الهام تأتي مبادرة برنامج «سند محمد بن سلمان»، الموسومة بـ»أسرة مستقرة» التي تستهدف الوصول النوعي إلى شريحة واسعة من المستفيدين والمستفيدات، وذلك عبر حزمة متنوعة ومدروسة من المنتجات والمشاريع لدعم طيف واسع من المبادرات الأهلية والاجتماعية غير الربحية، وصولاً إلى تمكين القطاع من دعم استقرار الأسرة السعودية، وتنمية الوعي المجتمعي للأم والطفل، إضافة إلى العاملين في قطاعهم بشكل عام.
ويأتي اهتمام برنامج «سند محمد بن سلمان» في إطلاق المبادرة ترجمة لحرص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على ضرورة التمكين الفعال والمؤسسي للمبادرات الاجتماعية غير الربحية العاملة في مجالات الطفولة والأمومة واستقرار الأسر، من أجل بناء مجتمع حيوي فعال، نواته أسرة سعيدة مستقرة. ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.