د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بالتنسيق مع دول في أوبك+ وبالتزامن مع تخفيضاتها، السعودية تنفذ خفضاً طوعياً لإنتاجها النفطي بمقدار500 ألف برميل يومياً بدءاً من مايو 2023 وحتى نهاية العام، يضاف إلى الخفض المتفق عليه في اجتماع أوبك+ في أكتوبر 2022، وهي خطوة إجراء احترازي بهدف دعم استقرار أسواق البترول وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، للتحوط ضد المزيد من تقلبات السوق، وسط زيادة الضبابية بشأن نجاعة الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أزمات مصرفية ومالية جمة، حيث لا تزال المخاوف قائمة بشأن التأثير الاقتصادي الأوسع المحتمل، في أعقاب أزمة بنك وادي السيليكون والضغط على البنوك الإقليمية الأخرى في الولايات المتحدة، لم تتوقف السعودية عند هذا الحد بل أعلنت أنها ستمدد خفض إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل حتى نهاية أغسطس 2023 في محاولة لدعم أسعار النفط وبذلك سيكون إنتاج السعودية ما يقارب الـ 9 ملايين برميل يومياً، وهو خفض طوعي إضافي الذي سبق أن أعلنت عنه السعودية في إبريل حتى نهاية ديسمبر 2024 لتعزيز الجهود الاحترازية لدعم استقرار أسواق البترول.
وهذه الخطوة ليست الأولى التي تقوم بها السعودية، بل سبق أن قامت السعودية في 2022 بتخفيض مليون برميل طوعي في ظل توقعات حدوث ركود في الدول الغربية وكانت خطوة استباقية.
حيث نجحت السعودية في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط وفق العرض والطلب بعيداً عن أي تدخلات سياسية، أي أنها كانت قرارات فنية وإدارية بحتة وصارمة متجردة من العواطف والأجندات الخارجية، وتركيزها كان فقط على أساسيات السوق، من أجل الوصول إلى السعر العادل للمنتجين والمستهلكين على حدٍّ سواء، وهو ما نجدها بسبب اتباعها تلك الاستراتيجية أنها تمكنت خلال الأعوام الماضية من إدارة الأسواق وحمايتها من أزمات هي والاقتصاد العالمي.
على الفور سارعت دولة الإمارات بشكل طوعي تخفيض إضافي بمقدار 144 ألف برميل يومياً، تبعت دولة الإمارات دولة الكويت بخفض طوعي بمقدار 128 ألف برميل يومياً، والعراق أيضاً اتجهت نحو خفض طوعي بمقدار 211 ألف برميل يومياً، وعمان أعلنت عن خفض بمقدار 40 ألف برميل يومياً، والجزائر أعلنت عن خفض بمقدار 48 ألف برميل يومياً، فيما أعلنت موسكو أنها ستمدد خفضاً طوعياً قدره 500 ألف برميل يومياً بعد التخفيض الذي أعلنته في فبراير يبدأ في 21 سبتمبر وينتهي مع نهاية يونيو، بما لا يتعارض مع سياسة الخفض السابقة مليوني برميل يضاف إليها خفض بنحو 1.15 مليون برميل يومياً على نحو غير متوقع قد يرفع أسعار النفط العالمية عشرة دولارات للبرميل حسب توقعات رئيس شركة الاستثمارات بيكربنج إنرجي بارتنرز مقرها هيوستن.
يمثل هذا الخفض الطوعي من كبار المنتجين من داخل وخارج أوبك بأنه دعامة جديدة لمراعاة ظروف الاقتصاد العالمي وسط ما تمر به أبرز قطاعاته من أزمات ظاهرة، لا سيما في القطاع المالي والمصرفي الذي بات يعاني توتراً جراء الخوف من بوادر أزمة عالمية جديدة، قد تعصف بالقطاع، وتدفع معها لتداعيات اقتصادية كبرى، قد تطول أسواق استقرار أسواق النفط.
تؤكد قيادة السعودية لأوبك+ على العمل الجماعي للمنتجين الذي يساعد على بروز دور أوبك+ بين مؤسسات الطاقة الدولية، حيث تلتزم أوبك+ بمستوى ملائم من إمدادات الخام، وهو أمر حيوي لأمن الطاقة والحيوية الاقتصادية في العالم، كما كشف أمين عام منظمة الدول المصدرة لأوبك هيثم الغيص عن تطلع المنظمة إلى التشاور مع دول أذربيجان وماليزيا وبروناي والمكسيك للانضمام للمنظمة بما يسهم في تقوية أوبك وتماسكها ولكن تستهدف المنظمة دولاً لديها نفس التوجه الاستراتيجي حول المحافظة على أسواق النفط واستقرارها.
يمر الاقتصادان الأمريكي والغربي بمرحلة دقيقة ومنعطف صعب، حرص المشرعون في 2022 على أن الاقتصاد الأمريكي يشهد تباطئاً وليس انكماشاً، رغم الرفع الدوري الذي يقوم به البنك المركزي للفائدة من أجل السيطرة على التضخم، مع الأخذ في الحسبان الآثار السلبية المترتبة على الفائدة المرتفعة والتي في الأغلب تنعكس أيضاً على النمو الاقتصادي، وبالفعل أعلنت وزارة التجارة الأميركية للمرة الثانية عن خفض النمو الإجمالي للناتج المحلي للربع الأخير من 2022 إلى 2.6 في المائة الذي يمكن أن يستمر هذا الخفض خلال هذا العام 2023 مما يعزز الاعتقاد أن الاقتصاد الأمريكي يقف بالفعل على حافة التباطؤ.
مما يعطي إشارات غير مريحة لصانعي السياسات النفطية في أوبك في أن الاقتصاد الأول في العالم غامضٌ وغير واضح تماماً، رغم أن البنك الدولي توقع أن يحقق الاقتصاد الأمريكي بنهاية عام 2023 نمواً لن يتجاوز 1.4 في المائة، مع وجود حالة من عدم اليقين، فضلاً عن سياسات التشدد النقدي التي يبدو أنها ستتواصل في الفترة المقبلة، مقارنة بالنمو الذي تحقق في عام 2021 بنحو 5.9 في المائة، لكنه كان نمواً طبيعياً بعد توقف حركة عجلة الإنتاج بصورة شبه تامة، بفعل تداعيات جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي ككل.