حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وأحرم من ذي الحليفة وهي تبعد مئات الكيلومترات عن مكة راكباً ناقته القصواء محرماً طوال هذه المسافة بغبارها وسمومها وشمسها وظلمة ليلها، ومعه من يسير راجلاً( أي: يسير على قدميه) وقدموا إلى مكة، وزادهم التمر واللبن. يتنقلون بين المشاعر على رواحلهم التي أتعبها طول السفر وأنهكها تتابعه وفي يوم عرفة يذهب كل هذا العناء وينقلب التعب راحة وسروراً، حين يتنزل الرحمن الرحيم إلى السماء الدنيا منادياً عباده (أفيضوا عبادي مغفوراً لكم) فيزول كل تعب نالهم وكل مشقة كابدوها.
ومن رحمته بنا: أن خفف علينا مشقة الوصول فلو أن حاجاً قدم في عصرنا هذا من شرق أستراليا لكانت رحلته أقصر زمناً من رحلة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من المدينة وأخف وطأة في مكابدة ظروف الرحلة، فقد يسر الله لنا الوصول إلى مكة المكرمة أينما كنا وسخر لهذه الأرض الطاهرة من يقوم على تذليل الصعاب وتمهيد السبل وبسط الأمن وتوفير كل خدمة تجعل من هذه الرحلة لأداء هذه الشعيرة حلماً سعيداً يتطلع إليه كل مسلم بلا مشقة لاتطاق أو تعب لا يحتمل, واختارنا من بين مايزيد على المليار مسلم لنقف في عرفة ونرجو أن نكون ممن باهى بنا ملائكته وهو يقول: (أفيضوا عبادي مغفوراً لكم) فلم نجد البعض يتذمر من مواقف عابرة مرت به رأى أنها مشقة كبرى؟ فلو صدق مع ذاته لعلم أنها لاتذكر إزاء ما توافر من تذليل للعقبات وتوفير للخدمات. فكيف نستكثر في سبيل إتمام نسكنا أن نتعاون لتلافي ما يشوب هذه الراحة التي وفرت لنا. ولو كنا متعاونين حق التعاون فيما بيننا، نرى لغيرنا ذات الحقوق التي نتطلبها ولا نحرج القائمين على التنظيم بجميع قطاعاتهم لنحصل على ميزة ليست لنا لما وجد أحد منا ما يعيب به سائر رحلته وهي أيام إيثار وصبر وأجر. ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة. كتب الله أجر هذه الجهود العظمى لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ولكل مسؤول أدى عمله بإخلاص وبصيرة وتقبل من الحجيج نسكهم وأعاد كل واحد منهم لوطنه سالماً مأجوراً.
** **
- الرياض