زياد بن عبدالله الدريس
تسمي العرب الصحراء، تفاؤلاً، بالمفازة، والملدوغ بالسليم. كما تتلطف فتسمي الكفيف بصيراً.
وهكذا يزخر تراثنا اللغوي بالكثير من هذه اللطائف الاسمية. وكنت أظن أن هذا الأمر قد توقف عند تراثنا العتيق، حتى تعرفت على الصديق المهندس عبد الله الرخيص (الحائلي مولداً وكرماً)، فعرفت أن جذور اسم عائلته قد ولّدتها نزعة الكرم الحاتمي الذي ورثته أسرته الشمرية من جذورها الطائية، فهي تسترخص كل غالٍ من أجل إكرام الضيف.
ثم لما تعمقت علاقتي بأبي مصعب أكثر فأكثر فهمت الملاطفة الاسمية أكثر فأكثر.
فعبد الله يسترخص وقته، رغم شحّه وازدحامه، فيمنحه للآخرين من الأصدقاء «الكُثُر»، أو المحتاجين لتبرعاته الاستشارية والمعرفية.
وهو بالطبع يسترخص ماله من أجل إكرام ضيوفه، أو ضيوف معارفه «الكُثُر».
أما صحته، فيكاد يهبها مجاناً لوطنه الذي يعتز به، وللقيم التي يقاوم الضعف من أجل تقويتها وتعزيزها.
لم يتوقف طموحه عند بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الملك سعود، بل ذهب مقتحماً أبواب معهد إم آي تي المُحكمة الغلق، وحصل فيه عام 1996م على الماجستير المزدوج في إدارة الأعمال وإدارة المشاريع.
ثم «تمادى» في طموحاته فهرول إلى جامعة هارفارد ومنها نال ماجستير التنمية الدولية وماجستير إدارة الأعمال عام 1998م. وحين ظن رفاقه أنه تشبع من الشهادات الفاخرة، ذهب إلى جامعة أكسفورد ليغنم منها بالدبلوم العالي وبحث الدكتوراه التمهيدي في القيادة التنظيمية والإدارة المتقدمة عام 2003م.
ولما أدركت تلك المؤسسات العلمية العريقة (غلاوة) عبد الله تحوّل عندهم من طالب إلى خبير ثم مستشار ثم إلى عضو وزميل دائم.
وحين عاد إلى وطنه، أصبح هبةً ثمينة ومصدراً معرفياً متجدداً بين أيدي المؤسسات والهيئات، كلٌّ يريد أن يغرف من بحوره «المعرفية» ما يخدم قطاعه، فغدى أيقونة في فكر السياسات العامة والاستراتيجيات والقيادة المتقدمة والحوكمة.
ورغم كل هذه الانشغالات والمهارات والعلاقات المحلية والدولية، لم يسترخص عبد الله الرخيص لغته العربية وهويته وثقافته، وبقي على مساسٍ وطيد بها.. شعراً وترجمةً.
وفي مطلع عام 2021 عقد العزم على «ترجمة مليون كلمة قبل عام 2025»، وكعادته بالمسارعة في الإنجاز والعطاء، نجح في تحقيق وعده قبل الموعد المحدد بعامين اثنين.
أفلا يستحق هذا الإنجاز الاحتفاء والتكريم؟
نحتفي اليوم بالمهندس عبد الله الرخيص، نموذجاً لكفاءة المبادرات الفردية في مجال الترجمة، وأهميتها في تعضيد الجهود المؤسسية لهذا المسار الحضاري الملحّ.فالترجمة ثقافة.