رمضان جريدي العنزي
الطيب ليس كالخبيث، والصالح ليس كالطالح، والسفح ليس كالقاع، والفضيلة ليست كالدناءة، والحلال ليس كالحرام، والأمانة ليست كالخيانة، والنظيف ليس كالفاسد، والكذب ليس كالصدق، والنبل عكس الوضاعة، والذكاء عكس الغباء، والنظافة عكس الوساخة، والنقاء عكس التلوث، والثبات عكس التلون. إن الازدواجية والتناقض الذي يمارسه البعض يعد انحرافاً سلوكياً لا يرتقي لمفهوم الإنسانية، والحياة القويمة، فقد يكون الإنسان كريماً حد الإفلاس مع أصدقائه، وبخيلاً حد المرض مع أسرته، وقد يكون هاشاً باشاً ضاحكاً ليناً مع رفاقة حد الضعف والهوان، وعنيفاً وشرساً مع أهله وخاصته والمقربين له، خارج بلده مؤدباً ومتحضراً وملتزماً بالقوانين والأنظمة، وداخل بلدة عبثي وفوضوي ولا يبالي بالأنظمة والقوانين. إن تناقض البعض بائن ومفضوح حد الدهشة والغرابة، في المجالس يؤدي دور الفاهم العارف المنظر المعلم صاحب الحكمة والبصيرة الثاقبة، وعند أهله وبين أسرته يخلع هذه الأردية ويلبس رداء (العنترية) والغشم والجهالة، يؤكد أهمية التكافل الاجتماعي ويظهر علامات اللطافة والنبل والسماحة، وينتقد من يخالف ذلك، ثم يقوم بأعمال عكسية تتناقض مع ذلك كله، يدعو لصلة الرحم ويبين بأن من قطعها قطعه الله، بينما طليقته محرومة من رؤية أطفالها بهدف تأديبها بسبب انفصالها عنه نظير سلوكه وتعامله الرديء، يسافر مع أصدقائه ويتمتع معهم، بينما يرفض السفر مع زوجته وأطفاله بحجة أن (الحريم) لا تسافر، يتمسح بمسوح الدين النقية أمام الملأ، وبين أهله وأسرته يمارس الإرهاب واللغو واللسان السليط، ينظر بأن الحياة تستحق الإنتاج والإبداع والحب والعطف والمشاركة والعمل والعطاء والتسامح والوفاء، وفي واقعه المريض يرفض رفضاً تاماً ما ينظر به ويتفوه ويقول، يمدح أحدهم شعراً ويرتقي به حد الفضاء، ويجعله الكريم الجواد، الفارس المقدام الذي لا يشق له غبار،، صاحب الإرث والمجد والتاريخ، ثم فجأة يهجوه هجاءً فظاً غليظاً قاسياً لأنه لم يمنحه المال ولم يهب له العطايا كما أراد وتمنى وخطط ورسم. إن الازدواجية والتناقض تزداد عمقاً لدى البعض، وترفض عقولهم الواهنة ما تقوله ألسنتهم السليطة. إن المفاهيم والأفكار والقيم والتصورات لدى هؤلاء البعض لا تمت لحقيتهم بصلة، لكونهم تحطموا أمام سيل تناقضاتهم البائنة. إن هذه الازدواجية يلفظها الإسلام، ويرفضها رفضاً تاماً، فهي لا تؤثر فقط في المجتمع برمته، بلي الوجود الإنساني بعمومه وكليته، إن الأمة لا تنهض كما ينبغي وأفرادها متناقضون، سلوكياً وأخلاقياً، ومتذبذبون في التعامل والأداء، ومتأرجحون في المبادئ والقيم، المثل عندهم منهارة، والثقة ضائعة، والحجة مهتزة، والمنطق متلاشٍ. إن الازدواجية والتناقض تجرف الإنسان بعيداً عن مساره الصحيح، وتعريه تماماً. إن الذات القويمة لا يجب أن تنقسم وتنفصم، ويخالف قولها عملها، بل يجب أن يكون الظاهر كالباطن، والسر كالعلانية، والشكل كالمضمون. اللهم إهدنا إلى سواء الصراط، وانفعنا، وانفع بنا.