د. محمد عبدالله الخازم
كتبت رأياً قديماً - عندما كانت المطالبات بتأسيس جامعات جديدة بالمناطق والمحافظات- ملخصه أن إيجاد التعليم العالي بالمحافظات لا يتطلب بالضرورة تأسيس جامعات جديدة بها. كانت الفكرة هي فتح مقرات للجامعات الكبرى بالمحافظات على أن تكون مستقلة مادياً، أي لها ميزانيات مستقلة وإدارة تنفيذية مستقلة. على غرار الجامعات العالمية التي تتواجد في مدن ودول مختلفة، تحتفظ بهوية واحدة وتستفيد من خبرات الجامعة الأم لكن لها استقلالية تنفيذية ومادية. وركزت على ضرورة منحها ميزانيات مستقلة لأن الفروع القائمة آنذاك كانت تشتكي إهمال تطويرها من قبل الجامعات الأم. كانت هناك عدة تعليقات على المقال، أحدها تعليق أو (عتاب) من سمو أمير إحدى المحافظات - رحمه الله - يستنكر بشدة مقترح عدم ضرورة تأسيس جامعة بمحافظته وهو الحلم الذي طالبوا به ودعمهم فيه أمير المنطقة ومعالي الوزير وينتظره الأهالي. ومما قاله في مكالمته المطولة «أنتم الأكادميون تُنظِّرون من مدينة كبرى وتحسبون الدعوة مجرد قاعة دراسية».. أدركت حينها أن حلم تأسيس جامعة يمثل حلماً مجتمعياً، بذل مسؤولو المحافظات والمناطق جهداً كبيراً في المطالبة به، وتبنى عليه آمال كبيرة في المجال التنموي والاجتماعي للمنطقة.
وكما كان كلام سمو الأمير قبل 20 عاماً، هنا قصة حاضرة في المناطق الصغيرة. قامت بعض الجامعات مؤخراً بإقفال بعض الكليات وكان التركيز على إقفال فروع في مناطق صغيرة والحجة هي الترشيد الاقتصادي ولكون بعض الفروع متواضعة أكاديمياً أو بها تخصصات ليس لها وظائف مستقبلية أو لم تحظ بمشاريع بنى تحتية جيدة. هي مبررات وسأتجاوز محاورة الجامعات ووزارة التعليم حولها في هذا المقال، إلى السؤال هل فكرنا في البعد المجتمعي والجغرافي والتنموي عند إقفال تلك الكليات؟
هذا السؤال أثاره أحد أهالي مدينة «قلوة» بمنطقة الباحة، ويبدو أن هناك محافظات أخرى لها نفس التساؤلات؛ عندما تقفل جامعة الباحة كلية بنات في مدينة قلوة، هل ستبقى بنات قلوة بدون تعليم جامعي أم عليهن السفر والإقامة في مدن أخرى للحصول على الشهادة الجامعية؟ لماذا تفكرون في الترشيد المالي على حساب تعليم بناتنا؟ جامعة الباحة ليس لديها سكن للطالبات ولا يمكن لبنات قلوة الصعود يومياً عبر العقبة بالذات في فصول الشتاء والمطر للدراسة في الباحة، فضلاً عن كون قلوة منطقة تعتبر متأخرة تنموياً مقارنة بغيرها؟ على الخارطة (الصماء) قد تبدو المسافة قريبة، لكن التخطيط يجب أن يأخذ في الاعتبار الاجتماعية والجغرافية والتنموية المختلفة. طبعاً الأمر يزداد ازعاجاً عند إقفال كلية صُرف الكثير على تأسيسها دون مقدمات...
الخلاصة، تأسيس كلية أو إقفال كلية أو جامعة أو مدرسة ليس مجرد فعل أكاديمي أو اقتصادي بحت بل له أبعاد اجتماعية وتنموية تهم أهالي المحافظات من قمة الهرم الإداري إلى الشاب/ الشابة الصغيرة الطامحة في الحصول على شهادة جامعية. صوت المجتمع مهم وعلينا النظر في الاحتياجات والأمنيات الاجتماعية والتنموية ودراسة الواقع بكافة أبعاده، وبدلاً من الإقفال - وهو الأسهل - علينا البحث في آليات أخرى تسهم في التطوير والتجويد لعمل ومخرجات الفروع والمقرات الصغيرة...