اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وحسب المفهوم العام للردع وتاريخه فإنه ليس حكراً على الدول الكبرى والدول ذات القدرات النووية، بل يعتبر إجراءً مشروعاً لكل دولة تدافع عن أمنها القومي ومصالحها الوطنية، شريطة امتلاك قدراته والاستفادة من إيجابياته وتحييد سلبياته مع التقيد بقيوده والعمل ضمن حدوده.
والردع في مظهره وجوهره يعكس هيبة الدولة لكونه يوفر شكلاً من أشكال الوقاية التي تساعد على المحافظة على مصالح هذه الدولة وقوة نفوذها وتصويب مسار سياستها بفضل ضبط ميزان علاقتها مع الدول الأخرى وإيجاد هامش مكاني وبعد زماني لكبح جماح التوتر والسيطرة على الأفعال وردود الأفعال.
وعلى المستوى التقليدي فإنه لكي يكون الردع فعّالاً وعلى درجة من المصداقية لا غنى له عن توفر عناصر القوة الشاملة وعلى رأسها قوة عسكرية فاعلة، تمتلك أسلحة ذات فعالية وعلى درجة عالية من التطور التقني المحسوب، حيث إن القوة العسكرية تمثل الركيزة الأساسية بالنسبة لعناصر القوة الشاملة انطلاقاً من أنه من خلالها يتم قياس وزن الدولة الأمني والسياسي ونفوذها على المستوى الدولي، وقد قال الشاعر:
ومَنْ لا سلاح له يُتقى
وإن هو قاتل لم يغلبِ
وقال آخر:
مَنْ ضيع السيف اتكالا ً على العصا
شكا وقع حد السيف ممن ينازله
ومفهوم استخدام القوة العسكرية لا يقتصر على الجانب المادي لهذه القوة، وإنما يشمل هذا المفهوم الجانب المعنوي ، وما له من تأثير ردعي يمنع الخصم من الإقدام على أي عمل عدواني ضد الطرف الذي يقوم بالردع نظراً لأن الردع عن طريق التهديد باستخدام القوة قد يحول دون استخدامها، متى ما توفرت الشروط المطلوبة التي تؤدي إلى نجاح الردع وهي القدرات والمصداقية والمعلوماتية والخبرة والعقلانية.
وهذا يعني أن الدولة عندما يشتد الخلاف والتوتر بينها وبين دولة أخرى إلى حدٍ لم يجدِ معه استخدام القوة الناعمة فإنها قد تضطر إلى الاعتماد في تنفيذ سياستها مع هذه الدولة على القوة الصلبة سواء بالاستخدام الفعلي للقوة العسكرية أو التهديد باستخدامها عن طريق الردع والتلويح باللجوء إلى خيار الحرب.
والقوة العسكرية بالنسبة للدولة تشكل أهم الأدوات لتحقيق المصالح القومية وتوفير بيئة صالحة لنمو وتطور عناصر القوة الأخرى، نظراً لأن وجود القوة العسكرية المتفوقة يعكس جانباً من مظاهر عناصر قوة الدولة الكلية المتمثلة في القوة الثقافية والعلمية والقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية ووجود كل قوة مرهون بوجود القوى الأخرى.
والمؤسسة العسكرية وما يتفرع عنها من منظومات متنوعة التخصصات المهنية والصناعات العسكرية والقدرات التكنولوجية المتطورة، كل ذلك بقدر ما يزيد من قدرة القوة العسكرية على الردع بقدر ما يعتبر من أهم الروافد الأساسية لدعم الاقتصاد وتعزيز التنمية بصورة ينعكس مردودها على القوة الشاملة للدولة.
وعندما تريد دولة ما تعزيز موقفها حيال معضلة من المعاضل فإن القوة العسكرية عادة ما تكون حاضرة مهما كانت الأولوية لعنصر آخر من عناصر القوة الشاملة، ويعود ذلك إلى أهمية القوة العسكرية مقارنة بعناصر القوة الأخرى بالنسبة للدولة باعتبار الورقة الأمنية والعسكرية أكثر حضوراً وتأثيراً عند التعامل مع المواقف ومعالجة القضايا ذات الطابع الوطني والقومي وما يدور في هذا الفلك من مساومات، ومزايدات أمنية وسياسية واقتصادية.
وتأسيساً على ذلك فإن الطرف الذي يكون ميزان القوى لصالحه وخيار الردع مؤاتياً له، يصبح في وضع يجعله يحتفظ بمفاتيح السلم والحرب بفضل امتلاك أسلحة الردع التي يتفوق بها على خصمه، مقنعاً هذا الخصم بالقدرة على مواجهته ونسف حساباته إن هو لم يرتدع ويجنح إلى السلم، وينأى بنفسه عن التفكير في الحرب.
وبالطبع فإن القوة العسكرية المعلنة أو ما يطلق عليها القوة الصلبة أو الخشنة توجد رابطة وثيقة وعلاقة متينة بينها وبين القوة الوطنية الكامنة التي تمثل القوة البشرية والمجتمعية والقوة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، مضافاً إليها مكونات القوة الناعمة السياسية والدبلوماسية وما في حكمها، وبعض هذه القوى يؤسس على بعض وبينها تداخل وتكامل يفسح المجال لدولة ما أن تمارس ردعاً ضد دولة أخرى طبقاً لاستراتيجيات الردع ونظرياته.
والمداراة تدور في فلك القوة الناعمة وهي سياسة رفيعة ودبلوماسية ناجحة تتسم بالكياسة في التعامل واستمالة الخصم، ويقتصر مفعولها والتعامل بها على حالات ومواقف معينة ذات طبيعة دنيوية أما الدين فلا مداراة فيه ولا مصانعة، والمداراة بهذا الصنيع الناعم تساعد على ردع الخصم وتجعله يجنح إلى السلم بعيداً عن المداهنة المرفوضة والمراهنة المبغوضة.
والجنوح إلى السلم من المبادئ الإسلامية التي تحث على السلام والوئام بين الدول والشعوب مع تجنب الحروب واللجوء إلى التهديد واستخدام الردع في بيئة محصنة بالقوة والمنعة ولا مكان فيها للضعف والاستسلام تحت غطاء البحث عن السلام، بل يتم اتخاذ القوة العسكرية المعلنة المدعومة بالقوة الوطنية الكامنة وسيلة للردع الفاعل وتحقيق الأمن الشامل.