حسن اليمني
شيء يدعو للفخر والاعتزاز حقاً أن نجد بلادنا وفي عمر قصير من أعمار الدول قد وصلت للمراتب الأولى في مكننة الأعمال وإنجازها في دقائق من خلال التقنية ومنتجاتها، لكننا شعب نهم في الإنجاز والتقدم وخيال طموحنا عنان السماء.
أتساءل أحياناً كيف ونحن قد صرنا ننهي أعمالنا ومراجعاتنا مع كثير من الأجهزة الخدمية عن طريق شبكة الإنترنت ونحن في منازلنا لماذا لم يؤثر ذلك في تخفيف زحام السير، معلوم أن نقص وسائل النقل العام سبب رئيسي وهو في طريقة للحل بإذن الله، ولكن بيئة وثقافة الشوارع والطرق لا زالت متأخرة جداً عن مواكبة هذا الرقي والتطور، وضبط حركة السير تابع لجهاز السير (المرور)، وفي اعتقادي أنه من أبطأ الأجهزة الخدمية في مواكبة تطور وتقدم الأجهزة الأخرى، ربما لأن ميدانه في الشوارع والطرق بما يتطلبه ذلك من حضور ومتابعة ومراقبة واسعة ومنتشرة ربما هي أكبر من قدرته وطاقته ما جعله يستعين بكاميرات الرصد وشركات معاونة لتحقيق الحوادث وسحب المركبات وتقدير تكاليف الحوادث وفحص المركبات، ولو زاد على ذلك بالتعاقد مع شركة لمتابعة ومراقبة حركة سير المركبات لما تبقى إلا إعادة النظر في مقراته المستأجرة.
إن متابعة ومراقبة وضبط حركة السير من أهم ما يحفظ الجودة في التعامل مع الشوارع والطرق، ذلك أن الشوارع والطرق هي بمنزلة شرايين الحركة في الحياة اليومية للناس، ولها التأثير الأكبر على ضبط المزاج والسلوك وترقية جودة التعامل بل وخلق الدفء والدماثة في هذا التعامل بين مستخدمي هذه الشوارع والطرق حين تكون تحت انضباط يجعل المتجاوز حالًا شاذًا وغير متجانس مع الآخرين، حين تكون القاعدة (تفضل) بدلاً من (زندك وإلا مت)، وحين يحل مستخدم الطريق محل رجل المرور في غيابه في التعامل مع المواقف الخلفية مثل التلاقي حول تقاطع شوارع دون وجود إشارة للتحرك بطريقة حضارية بالسماح لمرور سيارة من كل جهة بشكل مرتب بدماثة وإيثار دون انتهازية غبية فإننا في فوضى مرورية مستمرة، ولن نصل إلى هذه الغاية المنشودة قبل أن تترقى أخلاقيات استخدام الطرق وسلوكياتها التي لن تترقى هي الأخرى قبل فرضها فرضاً من قبل مراقبة ومتابعة حركة السير من خلال الحضور التفاعلي لرجل المرور والذي لن يحتاج للاستمرار والبقاء المستديم وإنما فقط يحتاج الأمر إلى فترة كافية لتأصيل أخلاق وسلوك الحركة المرورية وتطبيعها في نفوس المستخدمين لها.
الأمر يحتاج لحملة مكثفة ولفترة عام أو عامين لتعويد الناس على الانضباط واحترام نظم السير بالمتابعة والرقابة اللصيقة لأدنى هفوة بالمخالفة البناءة تلك الهادفة لغرس وتنشيط هوية أخلاق وسلوك استخدام الشارع والطريق حين تكون قيمة المخالفة مبلغًا رمزيًا لا تزيد عن ثلاثين ريالاً لأن الغرض إحياء وتهذيب هوية الأخلاق والسلوك المروري لا عقاب ردع وزجر يخلق الضيق والشحن النفسي، ويدعم ذلك ويسنده سحب الرخصة بعد الحصول على ثلاث مخالفات في الشهر لمدة أسبوعين في حال ضبط دون حمل رخصة السير تصبح مخالفة بقيمة أعلى بعشرة أضعاف فإن تكررت المخالفة دون حمل رخصة السير ثلاث مرات في الشهر يحجر على المركبة لمدة أسبوعين أيضاً بعد أن يوصلها سائق المركبة إلى مقر الحجز ويدفع عن كل يوم مبلغ لا يزيد عن عشرة ريالات، والغاية كما ذكرت ليس للعقاب والزجر وانما لغرس وبعث هوية الأخلاق والسلوك المروري، ولن يكون ذلك بهذه الطريقة التربوية التي ظاهرها العقاب وباطنها المودة والرأفة.
أنا لا أطلب تخفيض مبالغ المخالفات الحالية والتي أرى أنها مبالغ فيها بشكل موجع لكن أتجاوزها إلى ما هو أهم منها في الرعونة والاستهتار واللامبالاة بنظم السير وحقوق المسارات والتقاطعات تلك التي لا تلقى اهتمامًا من جهاز السير حتى الآن رغم أهميتها بل إنها هي القاعدة والأساس الرئيسي في خلق الاحترام والانضباط لسلوك وأخلاق حركة السير بشكل عام، وكون مبلغ المخالفة الذي اقترحه مبلغ رمزي من خمسة عشر ريالاً حتى ثلاثين ريالاً ولأن غايته التأسيس لبناء وتجويد هوية أخلاق وسلوك استخدام الطريق فإنه يعكس العدل المريح للنفس والباعث على القبول والاقتناع الباعث للاحترام والتقدير الذي بدوره ينمي حب التقيد بأنظمة السير ويخلق الألفة بحكم التجانس لدى مستخدم الطريق بما يحوله بشكل إيحائي إلى محب للتقيد بأنظمة السير وحريص عليها، ذلك أننا حين نريد فعلاً ترقية أخلاق وسلوك هوية السير في الشوارع والطرق فإننا نلجأ للتربية المتحضرة الراقية التي تنعكس على المتلقي بالأثر الإيجابي بدلاً من تغليظ المخالفة وتحويلها إلى عقوبة صارمة على خطأ أو سهو غير مقصود بما يخلق الغبن والظلم الذي يولد النفور والكراهية ويستدعي العناد وتعمد المخالفة استهانة واستهتارًا من دافع الكره والحقد، وبكل أسف هذه الثقافة غائبة عن أبجديات جهاز السير ما يجعله وأنظمته ومخالفاته في خانة الضد لمستخدم الطريق لدرجة تجعل غياب رجل المرور أو حتى حضوره الرمزي المتبع الآن فرصة لفض كبت الشحن نتيجة سوء العلاقة البينية المتمثلة في الصرامة مقابل الغفلة والسهو.
جهاز السير أيضاً في تعاملاته الإدارية في مقراته المستأجرة أيضاً ما زال متأخرًا كثيراً عن باقي الأجهزة الراكضة نحو التقدم والتطور بشكل يدعو للفخر والاعتزاز، فالاكتظاظ والزحام والحاجة لتوقيع وختم وصورة وطباعه بالتنقل بين طوابير الانتظار من قسم لآخر ومن موظف لآخر مع ضيق في المبنى وعدم وجود مرافق صحية أو خدمية وبرغم حسن ودماثة خلق الموظفين إلا أنه بمثابة عقاب للمراجع المضطر، الأمر الذي يدعو للدهشة والاستغراب أن مقر شركة نجم المختصة بتحقيق الحوادث أفضل وارقى وأكثر رحابة وتناسب لتقديم الخدمة مع أنه أي شركة نجم تابع وخادم للأول ومستفيد منه، ومن العجب أن تجد مقر قسم المرور مكتظًا بسيارات المراجعين بطرق عجيبة في غاية الفوضى حتى أنك لا تجد رصيف تسير عليه وإن لم تعترضك سيارة واقفة اعترضتك خرسانة ملتوية تأخذ مسافة أخرى لتصل إلى مدخل ضيّق ثم تختفي في زحام مكتظ من الناس ذكورًا وإناثًا مع رداءة في التكييف واستخدام لأرقام على قطع صغيرة من القرطاس والمناداة على الرقم من بعيد بصوت لا تكاد تسمعه مما يضطر الكثيرين للتحلق بشكل دائري حول الموظف أو الموظفة، وبالمختصر وضع متأخر بلادي تجاوزته منذ مدة لكن إدارة المرور في عالم آخر.