فضل بن سعد البوعينين
مارست السعودية دور المنتج المرجح لعقود، ما ساهم في معالجة بعض الأزمات الدولية الطارئة، وتجنيب الاقتصاد العالمي تداعيات كان من المتوقع حدوثها لولا السياسة النفطية السعودية الحكيمة وتعاملها المسؤول مع ملف الطاقة، وحرصها على استقرار الأسواق، وتحقيق توازنها، ونمو الاقتصاد العالمي.
لم تعد المملكة راغبة في تحمل مسؤولية «المنتج المرجح»، بعد أن ساهمت في خلق سياسة نفطية موثوقة ومسؤولة من خلال أوبك + التي استطاعات أن تتحمل ذلك الدور المهم الضابط لحركة الإنتاج ومواءمتها مع حجم الطلب وبما يحقق مصلحة المنتجين، والمستهلكين والاقتصاد العالمي.
سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أوضح في كلمته أمام الندوة الدولية الثامنة لمنظمة أوبك بأن «السعودية لم تعد المنتج المرجح، كما كانت تسمى في الثمانينيات، بل «أوبك +» تلعب هذا الدور».
نجحت أوبك + في حماية صناعة النفط من تحديات كبرى خلال جائحة كورونا، وفرضت على الولايات المتحدة الدخول معها في ترتيبات عاجلة لحماية صناعة النفط الأمريكية من الانهيار، وأثبتت كفاءتها في قراءة توجهات الاقتصاد العالمي وحجم الطلب المتوقع على النفط، من خلال دراسات سوق، وبيانات موثوقة، أثبتت التجارب دقتها، وحياديتها التامة.
تمتلك أوبك + القدرة التامة على التعامل مع متغيرات الاقتصاد العالمي، وحجم الطلب على النفط، وفق رؤية شمولية، وتكامل بين أعضائها بما يسهم في إتخاذ القرارات الحاسمة، ومواجهة المتغيرات قبل حدوثها، إضافة إلى المرونة التي باتت سمة بارزة في قرارات كبار المنتجين فيها، وفي مقدمهم السعودية وروسيا، والتنسيق الدائم بين أعضائها لمواجهة التحديات الطارئة بشكل جماعي، ما يؤكد التفاهم والتكامل بين الأعضاء.
الخفض الطوعي للإنتاج الذي إنتهجته السعودية وروسيا وبعض أعضاء أوبك + بات ضمن القرارات المهمة المحققة لتوازن السوق، كما أنه يعكس حجم التنسيق والتكامل بين أعضاء المجموعة.
إدارة المملكة لملف الطاقة، وقيادتها أوبك + ساهم في التنسيق الأمثل بين الأعضاء وتحقيق التكامل بينهم واتخاذ القرارات الحاسمة لمواجهة تحديات السوق وتطوير العمل المشترك للمنتجين، وبما يحقق المصالح المشتركة، وتوازن أسواق النفط.
وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، شدد على أهمية دور السعودية في إدارة ملف الطاقة، ووصفها بأنها «تتسم بالحكمة الشديدة، وتتخذ الإجراءات المناسبة، وتحافظ على الاستمرارية والفاعلية».
منذ جائحة كورونا، جاءت قرارات أوبك + متوافقة مع متغيرات الاقتصاد العالمي، بما فيها قرارات الخفض الرسمية والطوعية الأخيرة، وهي القرارات التي إتخذت بناءً على دراسات متعمقة للسوق، ورؤية موضوعية لمستقبل الاقتصاد والطلب العالمي، ومن المؤسف أن تواجه تلك القرارات المهمة بحملة تشكيك عالمية تقودها الأهواء، والتحيز ضد أوبك +، إضافة إلى «القصور في بيانات الوكالة الدولية للطاقة» التي وصفها سمو وزير الطاقة السعودي بأنها «تؤدي إلى اختلالات في السوق العالمية». يفترض أن تكون بيانات الوكالة أكثر دقة، وبما ينعكس إيجابا على ملف الطاقة العالمي، غير أنها باتت تشكل تحديا يسهم في تعميق الجدل، وزعزعة الثقة بين المنتجين والمستهلكين، والتأثير السلبي على أداء أوبك+ ودورها المسؤول في الحفاظ على استقرار الأسواق ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
برغم الاتهامات التي وجِّهَت لتحالف أوبك +، ومحاولة تسييس قراراته والتشكيك فيها، إلا إنَّ التحالف سعى جاهدا لضمان استقرار سوق النفط وتجنيبها الأزمات المتوقعة، وتكريس دوره المهم في مواجهة المتغيرات الطارئة في الأسواق النفطية. فهدف أوبك + الرئيس هو تحقيق توازن السوق النفطية، وبما ينعكس إيجابا على الاقتصاد العالمي.
لا يقتصر دور أوبك + على حماية مصالح المنتجين فحسب، بل والمستهلكين أيضا، ما يجعله أكثر فاعلية في تعزيز النمو العالمي والتنمية، وتدفق الاستثمارات الضامنة لأمن الطاقة واستدامتها.
يتطلب التعامل الإستراتيجي مع متغيرات الأسواق العالمية تدخل أوبك وحلفائها السريع وبقرارات إستباقية، قد يشكك البعض في دوافعها تحت تأثير تقارير منظمات دولية متخصصة تعنى بشؤون الاقتصاد والطاقة، أو دراسات السوق النظرية، أو متغيرات الأسعار الطارئة، إلا أن واقع الأيام يثبت دائما دقة قراراتها وصحة منهجيتها ونجاعتها.