الثقافية - كمال الداية:
صدر حديثاً للناقدة نادية هناوي كتاب جديد بعنوان ( النسوية العمومية) عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر، والكتاب يقع في أربعمائة صفحة وهو حصيلة جهد بحثي تخصص في النسوية العمومية بوصفها مشروعاً يستقرئ ويستشرف ما ينبغي أن تكونه النسوية العربية في مستقبلها وبأركان وتمظهرات ورؤى واشتغالات ومنهجيات وإجراءات تخضع للنظر وتضع الدرس النسوي على طريق جديد ومتنوع، به تعوّض النسوية نقصاً وتردم فجوات وبكيان مستقل وماهية ليست صورية. وترى المؤلفة أن وثوق النسوية بقدراتها هو الذي يمكنها من أن تتجاوز التوصيفات والترصيفات والتحديدات المعتادة، متخطية ما مرت بها النسويات قبلها -في مراحل وحقب ماضية وراهنة - من منعطفات حادة وهفوات غير مقصودة وأخطاء وتلكؤات وكبوات بعضها لم تكن يسيرة.
ويتخصص الكتاب الذي توزعت موضوعاته على خمسة فصول مع تمهيد وخاتمة في النسوية بوصفها العمومي نظرياً كأمومة وحق وتاريخ وفلسفة وتطبيقياً كنصوص فكرية وإبداعية مع تأشيرات معمقة على صور ومنظورات نسوية كثيراً ما يساء فهمها أو يخطأ في إدراك دلالاتها.
ولأن كثيراً مما تعنيه النسوية العربية اليوم يظل مرتهناً بما قدّمه الفكر الغربي من طروحات ورؤى، يغدو طبيعياً أن تكون اليوم مقسمة لا تعرف أرضاً فكرية تستقر عليها وهي موزعة بين ما هو خاص جداً وما هو منفتح جداً حتى بلا خصوصية، على عكس مجالات اشتغال النسوية في العالم، مما يتطلب من النسوية( امتلاك فاعلية التنظير لشؤونها بنفسها وفي الآن نفسه التنبه إزاء فاعلية الآخر في التعامل معها كي لا يكون منفرداً ولتكون عموميتها سبباً في تحررها متوخية الحذر من ناحيتين: ناحية علاقة المرأة بالنسوية وناحية علاقة النساء بالذكورية، كنوع من الإقرار بضرورة أن تكون النسوية واعية لفردانية المرأة ومدركة لجماعية الآخر النظامية ومستعدة لكل ما بإمكانه أن يجعلها متحصنة من أن تنقض وجودها بنفسها كأن تفوض الرجل النيابة عنها في التعبير عن هويتها والتكلم بصوتها، أو تترك بعضاً منها يوالي الآخر ويتشبه به).
وهو ما تمثل في النسوية العمومية كمشروع فكري غايته تقديم(رؤية متبادلة لمجموع نسوي شمولي ذي قوى محورية ليس فيها نكران للذات المفردة التي هي في صيرورة مع الذوات التي تشبهها عاملة للحاضر ومستشرفة المستقبل، فتتجاوز النسوية هفواتها وتعالج شروخ كيانها، وتعزز مسارها بما يلائم تجاربها ويماشي أغراضها وتطلعاتها، مقدمة المرأة لغة وهوية وانتماءً وكياناً مستقلاً ومتماهياً في فرديته بالكليّة النسويّة. وما بين الفرديّة والكليّة تتكامل النواقص وتستكمل الاحتياجات وتغدو النسويّة العموميّة مشروعاً فكرياً وإستراتيجية عملية في داخلها وخارجها، وفي وسائلها وأغراضها الحسية منها والتجريدية، حاضراً ومستقبلاً، تاريخاً واجتماعاً، تفصيلاً وإجمالاً. فتتوطد بالنسويّة العموميّة قواعد الفكر بدينامية الواحد في الكل والكل في الواحد).