عبده الأسمري
كثيرة هي الظواهر التي تحتل المجتمعات بالسلبيات والمشكلات والعوائق وتظل في محيط «مستديم» من الدراسات والنقاشات والتوصيات ومحاولات مضنية في وضع الحلول والتي عادة ما تتراوح ما بين «السريعة» و»المؤقته» و»طويلة الأمد» خروجاً من «عنق» الأزمة ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في نتائج «عدم الجدوى» أو «عودة الظاهرة» أو «تفاقم الموضوع».
لدينا مشكلة أزلية تتعلق بفرق العمل التي تدرس الظواهر وتضع لها «الحلول» التي تتعلق بظاهر الأمر وتتجاهل جذوره فالأخطاء المستديمة تظهر من «الجذور» العميقة وكي تضع «الحل» فأنت أمام اتجاهين من «العلاج الدائم» أو «التحسن المؤقت».
لو درسنا على سبيل المثال «ظاهرة» ترويج المخدرات فالحلول تقتضي ضبط مروجيها وملاحقة بائعيها وتتبع متعاطيها وهذا حل إستراتيجي متكامل ولكن إذا تحول الأمر إلى «ظاهرة» فنحن أمام «بيئات» تصنع «الجذب» وتروج «التشويق» وتسوق «المخدر» وتستغل «الأماكن» وتجمل «الواقع» وهي الأماكن «الخفية» في وقع «الإدانة» والمعلنة في «ظاهر» البراءة.
ما نشاهده ونسمع عنه من مخرجات دور السينما التي تظهر «المروج» على أنه شخصية «فاعلة» وقوية وتبرزه في دور «البطولة» والدراما الممنهجة والتي نراها أمام أعيننا في كل المواقع منذ سنوات والتي بدأت بسلسلة «محبوكة» من قصص «الحب» وتفاصيل «الغرام» وترويج «المخدر» في «أدوار» الشخصيات بلغة «الإيحاء» ومواقع «المعسلات» والتي باتت بالعشرات وأصبحت تجاور المطاعم والمكتبات والمقاهي ومحلات التموين وتمتلئ بمعدات وأدوات «تناول المخدرات» وتكتظ بروائح «الفواكه» المخفية في علب «تدخين» الشيشة وتجمعات «الشباب» التي تقطع الحركة ليلاً في أوساط المدن وأطرافها كانت وستظل «البيئات» الجاذبة و»السبل» المتاحة لتغلغل المخدرات إلى أعماق المجتمع.
تلك القضايا التي رفعت نسب الطلاق والجريمة والتسرب الدراسي وحالات «العقوق» و»الهروب» من الأسرة و»التعدي» على القيم والفشل في الأعمال والفصل من الوظائف باتت في «موازين» الضبط و»سجلات «الوقائع» في حجم «الظواهر» ونرى «الحلول» في كل اتجاه ولكنها لا تتجاوز «نصائح» تربوي في قناة أو «لوائح» جهة داخل «مكتب» و»شكاوى» في دوائر الدراسة ولكن الحل الحقيقي يتجلى في اجتثاث الأسباب وتسرب العلاج إلى الأرضية التي تنمو منها تلك «الجذور» المسببة للظواهر حتى يتم القضاء عليها.
لدينا ارتفاع في نسب «الأمراض النفسية» والتي عادة ما تحمل في تداعياتها وتبعاتها العديد من النتائج الوخيمة على المجتمع بكل اتجاهاته وظهور «ظواهر» مؤلمة تتجلى ببؤس في عوالم الأسر وقد يتحول المريض النفسي مع الوقت إلى «عقلي» متورط في الجريمة والتشرد والاختلال الذي يخل بموازين متعددة يدفع ثمنها الكثير..
وسؤالي أين «وزارة الصحة» و»الجهات المعنية» الأخرى من وضع دراسات فعلية فاعلة تحدد حجم الأعداد الحقيقي وترصد الأسباب الحقيقية وراء ازدياد مساحة «الاضطرابات النفسية» ووضع الحلول التي تقتضي القضاء على الأسباب ووضع خطة زمنية مهنية لذلك فهي الأولى من «الأرقام» السنوية لأمراض أخرى واضحة المنشأ ومأمونة التداعيات.
لا أعلم ماذا تفعل وزارة الموارد البشرية بالاعتماد على إعلانات «توطين» المهن وما أن تمتلئ تلك الحرف بأعداد من الشباب والفتيات حتى نرى الأحاديث والأحداث في بيانات صحفية مد «البصر» فيما لا نرى «الوزارة» قد وضعت مسحاً شاملاً للتسرب من الوظائف بطرق علمية ودرست الأسباب الحقيقية لذلك لأن التوظيف أمر واضح جلي ودوافعه معروفة ولكن هنالك الكثير من «الجمر» تحت رماد «الفصل التعسفي» و»مصادرة الحقوق» و»الهروب من العمل».
نرى وزارة التعليم في حلل جديدة من الوعود وظلت أعواماً تتلبس «دور» المدافع عن اتهامات الأسر ومطالب المعلمين ولكن أين هي من التخطيط الإستراتيجي لدراسة تعاطي الطلاب للمخدرات وما موقعها من التعاون مع الجهات المعنية لدراسة حالات الطلاب الخاصة فالكثير منهم وقع في الجريمة وآخرون تركوا الدراسة بسبب تخلي الأسرة وتقاعس المدرسة وهل لديها دراسات فعلية لسلوك الطلاب والطالبات خلال الأعوام الأخيرة وهل لديها النظرة المستقبلية للتعامل مع الطالب على أنه الركن الأول من أركان نجاحاتها أم أنها ترى أن مسؤوليتها في حدود إقامته لساعات قليلة في ساحاتها..
هنالك ظواهر متعددة وحلول وتوصيات ومقترحات تتجاوز حد «المطلوب» ولكن واقع التنفيذ يظل في مساحة جزئية وساحة مؤقتة وقد يكون مصيره «الفشل «ويبقى الارتهان والرهان والضمان في دراسة الأسباب ووضع الحلول للقضاء عليها لا أن يتم علاج الظاهرة في الأفق وعلى السطح وتبقى «الأعماق» مشتعلة بالمسببات ومن المهم والحتمي أن يتم البحث عن الخفايا بتكفير منهجي حتى يتم معرفة «مصادر» الاحتيال ومنابع «التحايل» وصولاً إلى توظيف الإستراتيجية الواقعية للحلول وربطها بالنتائج والأهداف.