سهوب بغدادي
أترك لكم التفكير والتفكّر في معنى العنوان، وأبحروا في خيالاتكم ولكن سأسرد لكم قصة قد تكون قصيرة لمحدودية المساحة وتقييدها بعدد معين من الكلمات، فلم أتمكن من اختصارها رغم محاولاتي التي باءت بالفشل، إلا أنها قصة لا تنتهي لدى فئة معينة من الناس يعيشون بيننا، بدأت القصة انطلاقًا من تطوعي في مجال إنقاذ الحيوانات، عندما قمت بنشر محتوى يتضمن إجراءات التبني لا الشراء، من هنا، علق أحد المتابعين على المنشور، قائلًا لقد قمت بتبني حيواناتي من الملجأ الفلاني، فأخذنا الحديث عن المجال وأهميته وضرورة نشر الوعي فيه، مرورًا بفوائد تربية الحيوان الأليف، فلقد أراني «الوحش أبو قاسم» -هكذا يسمي نفسه- ثلاثة كلاب قام بتبنيها، من ثم عبر عن مدى اشتياقه لها خلال هذه الفترة، فقلت: لماذا تشتاق لها وأنت معها في نفس المدينة؟ ومن هنا بدأت قصة الوحش، أعتقد أن بطل القصة وضع الكثير من الثقة والإيمان في شخص غريب،حيث أخبرني «أنا أعمل مرشد تعافي»، لم أكن أعي ما يقول، فاستطرد قائلًا: تعافي المدمنين من المخدرات, فعمّ الصمت وتساقطت الكلمات لوهلة، ثم تساءلت كالعادة كيف متى من ماذا لماذا أين؟ فقال لقد كنت مدمنًا سابقًا، والآن متعافٍ وأقوم بمساعدة من يمرون بذات ما مررت به، لذلك أعمل في مصحة ولا أتمكن من رؤية حيواناتي كل يوم، فاجأني الوحش أبو قاسم أن أسرته مترابطة وليست مفككة، بل متعلمة وراقية ومتفهمة وداعمة، إنه إنسان مثقف وحصل على تعليم عالٍ ويتقن اللغة الإنجليزية، إذن، أين الخلل ياوحش؟ فقال بداية الأمر كنت مجتهدًا «دافور» في المرحلة المتوسطة وكأي مراهق أتمنى أن أرى نظرات القبول من الغير والحصول على أصدقاء، ففي يوم ما اقترح عليّ أحد الزملاء أن أجرب حبة تجعلني نشيطًا وأحفظ الكتاب في ليلة، وأبدع في الاختبار دون تعب أو شعور بالنعاس، كان هناك شعور داخلي يقول لي لا، ولكن صوت المراهق علا على كل الأصوات يومها «افعلها خلك رجال» ففعلتها، ووجدت النشاط الموعود، اكتفيت في تلك الفترة بتدخين السجائر وأخذ الحبة البيضاء «الكبتاجون» ولم أكن أعرف الكثير عن هذا العالم، وانحصر التعاطي إلى مرة في كل نهاية أسبوع مع هؤلاء «الأصداقاء» من ثم بدأت رحلة الإدمان باعتبار أن الكبتاجون منشط فتستلزم الظروف أن أخفض من تسارع التفكير والحركة فقمت بأخذ الحشيش باعتبار أنه مهدئ وله تأثير مضاد للسابق، بعدها بدأت في مرحلة الكحوليات لأنها تتفاعل مأو تغطي على مفعول مخدر أو العكس صحيح، من ثم توجهت إلى المهدئات التي توصف لعلاج الأمراض النفسية «زاناكس»، ولأن المفعول جعلني خاملًا ولم أكتفِ بعشرات الحبات في اليوم الواحد تطلب الأمر أن ألجأ إلى الكوكايين, نعم، قد يجبر المدمن على التعمق في الإدمان لأن الإدمان حلقة مفرغة بل قاتلة، وماذا بعد الكوكايين؟ بالتأكيد مهدئ وصولًا إلى الشبح الأكبر»الشبو» وفقًا للوحش إن مصير المدمن في ثلاثة أمور (السجن، أو المصحات، أو الموت) ولقد سجن الوحش أكثر من مرة، ولكن الإدمان كحافة الهاوية فأنت ترى هلاكك إلا أنك لا تزال تتشبث فيما تبقى من حواف، فلدى عامة المدمنين جملة معهودة «لليوم فقط» أو «لليوم فقط ثم أصوف» أي سأجرب يومًا فقط ثم أقطع الاستخدام وهذه أكبر خدعة غيبت الآلاف، يقول الوحش إن الشبو يجعل العقل يدخل في مرحلة الهلاوس والشك والريبة، بل الشك في الذات قبل الآخرين، ويكون على أوجه ودرجات، قد يشك الشخص في تلبسه بالجن، أو تلبس أهله وأحبائه لذلك نرى حالات القتل والجرائم، أو ريبة في التوجهات الجنسية، أما عن العنف المرتبط بالتعاطي فينتج عن السهر الذي قد يمتد لعشرة أيام، فهنا بالتأكيد يخرج العقل والتفكير من الحالة السليمة إلى حالات لا يحمد عقباها، وضرب لي الوحش مثالًا بسيطًا على العنف المرتبط بالتهيئات، عندما كان يلعب الشطرنج وفاز على صديقه المقرب «المتعاطي» وقال له «كش ملك» فما كان من صديقه إلا أن يخرج سلاحًا ويوجهه إلى رأسه، قائلًا»كش ملك، ماذا تقصد؟
يتبع...