م. بدر بن ناصر الحمدان
لدي قناعة كبيرة بأن المدن الجيِّدة والمؤنسنة هي التي تستطيع أن تبقي الناس أطول وقت ممكن خارج المنزل، وأن المُخَطِّط العُمرانيّ الجيِّد هو من يستطيع أن يهيئ المدينة لإيجاد بيئة عمرانية قادرة على إحداث التفاعل فيما بين السكان، لذلك من أهم معايير جودة الحياة في أي مدينة قدرتها على إقناع الناس على الخروج من منازلهم وإبقائهم لأطول وقت ممكن خارجها، من خلال «حاضنات عمرانية» تستوعب أنشطتهم وتفاعلاتهم على مدار اليوم.
عزلة المسكن - مهما كانت جودتها - هي مصدر للكآبة وللأحادية الاجتماعية، وعامل مؤثِّر في الحالة النفسية، لذلك فإن أحد أهم عوامل تحسين مزاج الناس وإشعارهم بالحياة هي إخراجهم من المنازل وتمكينهم من الاندماج مع محيطهم الخارجي، والعمل على جعلها ممارسة ثقافية رئيسة في أسلوب حياتهم اليومية وألا تقتصر على كونها حدثاً مجدولاً فقط في عطلة نهاية الأسبوع.
العامل الأكثر أهمية أن تكون تلك الوجهات التي تستهدف السكان مجانية أو برسوم رمزية تشجعهم على ارتيادها بشكل مستمر وأن يتعاملوا معها كأماكن عامة صديقة لهم ولا تتطلب تكاليف مادية تشكِّل عبئاً عليهم، لأن ذلك من شأنه انفصالهم عن هذا المحيط الذي تم إخراجهم من أجله، فإن كان من المنطقي ألا تدفع مالاً للجلوس في حديقة الحي الذي تسكن فيه، أو تمشي في ممراته - إن وجدت - فمن المنطق أيضاً ألا تتحمَّل ميزانية يومية أو أسبوعية للاشتراك في نشاط على مستوى المجاورة السكنية أو الحي السكني وحتى على مستوى المدينة، هذا ليس عملاً ربحياً بقدر ما هو عمل يهدف إلى الارتقاء بحياة الناس وثقافتهم.