د.عبد العزيز سليمان العبودي
نشِط النشر العلمي في السعودية بشكل سريع، حتى أخذت الجامعات السعودية مكاناً متقدماً في مصاف الجامعات العالمية من ناحية كمية النشر في المجلات ذات التأثير العالي. وكان لهذا الأمر تأثير إيجابي على الجامعات والباحثين السعوديين من ناحية القيمة العلمية والرصانة الأكاديمية.
ومن جهة أخرى كان لذلك تأثير سلبي على المجلات السعودية المحكمة غير المصنفة. حيث توجهت أقلام الباحثين إلى المجلات العالمية ذات التأثير العالي، وعزفت عن النشر في المجلات السعودية. ولهذا السبب، تحاول بعض المجلات السعودية الانضمام الى قواعد البيانات العالمية. فلجأت بعضها للانضواء تحت مظلة دور النشر العالمية مثل Elsevier وSpringer مع ما يرافق ذلك من تكاليف مالية عالية، إضافة لانتقال حقوق النشر لتلك الدور. وبعض المجلات الأخرى أصبحت تقاوم للبقاء، من خلال جهود ذاتية للانتقال إلى أنظمه مؤتمتة، مع ما يعتري تطبيق ذلك من صعوبات، فأصبحت بعض الجامعات تقاول شركات متخصصة ليكلفها هذا الأمر الشيء الكثير، مع ما يترتب على هذه الأتمتة من صعوبات في التنفيذ وحل للمشكلات بعد ذلك. إضافة لذلك، تحتاج تلك المجلات إلى تسويق يوصلها إلى الباحثين، بحيث تتمكن من تلقي ومن ثم نشر محتوى متميز، وكذلك الاستمرار بالصدور بشكلٍ منتظم. وإضافة المجلات إلى الفهارس العامة والتخصصية العالمية، يساعد على تسويقها ومن ثم زيادة مكانتها الأكاديمية وتأثيرها، مما يؤدي بدوره إلى تحسين فرص الاستشهاد بمقالاتها. وتوفر عديد من الفهارس أيضا عدد الاقتباسات ومقاييس أخرى للمحتوى الذي تغطيه، مما يسهل على المجلات ومؤلفيها تتبع تأثيرات المقالات بمرور الوقت. وهناك فهارس عالية الجودة تقدم ذلك، مثل دليل مجلات الوصول المفتوح DOAJ، وفهارس OpenCitations والذي يعد من قواعد بيانات الأبحاث المجانية التي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع.
وأحد أهم قواعد البيانات التي تحرص أغلب المجلات الأكاديمية أن تنضم إلى قواعد بياناتها هي Scopus، حيث يرغب الباحثون والجامعات بالنشر في مجلات مفهرسة لديها، وذلك لأن تصنيف الجامعات يعتمد بشكل كبير على الأرقام التي تنشرها Scopus فيما يخص الإنجاز البحثي للجامعات. وتحتوي Scopus على ملخصات ومراجع من مقالات منشورة في مجلات أكاديمية تغطي أكثر من 22 ألف عنوان، منها ما يزيد على 20 ألف مجلة يتم تقييمها بواسطة خبراء في التخصصات العلمية والتقنية والطبية والاجتماعية، بما في ذلك الفنون والعلوم الإنسانية. وتوفر كذلك مجموعة واسعة من المقاييس للمحتوى المفهرس، بما في ذلك: مقاييس على مستوى المجلات مثل Citescore التي تنشر معامل تأثير سنوي، وتقدم تحديثات شهرية لكل عنوان من العناوين المفهرسة. إضافة إلى مقاييس على مستوى المقالة مثل PlumX ، والتي تحلل مدى استجابة القراء للمحتوى عبر الإنترنت (أي عبر التغريدات والمدونات ومراجع ويكيبيديا وما إلى ذلك). وكذلك المقاييس على مستوى المؤلف مثل h-index ، والتي تهدف إلى توفير مقياس موضوعي للتأثير الكلي لتاريخ منشورات المؤلفين الأفراد.
وحينما ترغب إحدى المجلات في فهرسة ما تنشره في Scopus فستخضع لآلية يشرف عليها مجلس اختيار المحتوى والمجلس الاستشاري المكون من العلماء الخبراء في مجالات تخصصهم. ويتطلب على المجلة أن تدعم طلب إدراج فهارسها لدى Scopus عبر توفير مجموعة اشتراطات وهي: أن يتم مراجعة محتوى المجلة من الأقران، وهم الخبراء في التخصص نفسه قبل نشره، مع إدراج سياسات المراجعة للجمهور على موقع المجلة. كذلك تقديم محتوى مناسب للقراء الدوليين، مع تقديم ملخصات وعناوين باللغة الإنجليزية. وبالنسبة للمراجع، يتم تضمينها بالأحرف الرومانية. وأن يكون للمجلة إصدارات تسلسلية يتم نشرها بانتظام، مع تاريخ للنشر لأكثر من سنتين. إضافة إلى التسجيل في مركز ISSN الدولي. وأخيراً، إتاحة بيان أخلاقيات النشر وتوضيح الممارسات الخاطئة عبر موقع المجلة.
إحدى التجارب الدولية الجيدة، هي DergiPark بتركيا، وتهدف لتوفير منصة مستقله تحتوي على المجلات الأكاديمية التركية، وذلك لتحقيق بنية تحتية متوافقة مع المعايير الدولية للنشر الأكاديمي، لإدراج تلك المجلات في قواعد البيانات الدولية. وقد بدأت المنصة في تقديم الخدمة مجانا وبصيغة مفتوحة، ولديها الآن أكثر من ألفي مجلة محكمة. وبالنسبة للسعودية يوجد لدينا منصة جاهزة ومتكاملة، تستطيع بشكل سريع إنجاز مثل هذا العمل، وهي المكتبة الإلكترونية السعودية SDL. وبما أنها تابعة لوزارة التعليم لخدمة الجامعات السعودية ومنسوبيها، فتستطيع إنجاز هذا الأمر باحترافية، بحيث يتم توحيد مواقع المجلات السعودية في مكان واحد، وأتمتة ذلك بشكل سريع ومن ثم توحيد أنظمتها لتستطيع إدراج تلك المجلات في قواعد البيانات الدولية المختلفة. ليس هذا فحسب، بل يمكنها عمل تصنيف محلي لتلك المجلات وتحديد معامل التأثير لها، مما يرفع من مستوياتها، ويعيد المجلات السعودية، التي تنشر تحت مظلة دور نشر أجنبية إلى مظلتها الوطنية. وقد يمتد أثرها إلى انتشال ونشر الكتب المطبوعة من قبل الجامعات السعودية، والمركونة في مستودعاتها، مع ما بذل في تأليفها ومراجعتها، ومن ثم طباعتها من جهد ومال.