رغم ما يحمله العيد من وهج خاص، بدأ يخف تدريجيًّا مع تعاقب الأجيال، وربما الانشغال باحتفالات كثيرة ومتنوعة؛ فإن أجمل ما فيه، أنه يعيدنا إلى سيرتنا الأولى التي انطلقنا منها للحياة، زمن الطفولة؛ فلحظاته خالدة، وذكرياته باقية، لا نكاد ننسى شيئًا منها.
وإن تميزت أعيادنا الإسلامية التي تتكرر سنويًّا (الفطر والأضحى) بطابع خاص؛ لارتباطها بأبعاد ومواسم دينية؛ فإن أعياد الأمم والطوائف الأخرى تحظى بالتقدير كذلك، من منظور ثقافي، وإن كان مختلفًا من ثقافة لأخرى، إلا أنه ينطلق من الفكرة نفسها التي تركز على العودة إلى سيرة كانت ثم أصبحت.
ومن هنا، يكون استحضار هذه السيرة في تاريخ أو ذكرى لحدث معين، لا سيما مع دلالة العيد في أصله اللغوي (ع و د) من العودة، عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتق من العادة لأننا نعتاده، فهو (كل ما يعود) وما يعود ليس الحدث نفسه، وإنما ذكراه فحسب.
وإذا كان العيد يتجدد كل سنة كما هو الحال في أعيادنا الدينية، ومعظم الأعياد الأخرى؛ فإنه يبقى ثابتًا في ذاكرتنا وعقولنا وقلوبنا؛ إذ لا نحتفي بالعيد في حدثه الجديد ولباسه المتغير وأجوائه المختلفة فحسب، بل نحتفي بحضن لجأنا إليه- بعدالله - في أيام مضت، وقلب ارتوينا من معينه ذات يوم، وقبلة على الرأس كانت تعج بروائح السدر والمشاط والمخلط، وأخرى تختلط برائحة العود ودهنه، ولباس جديد كنا نستشعر قيمته بطابعه المميز فهو (فستان العيد)، وحلوى غلفت بمذاق طيب استشعرته حواسنا كلها قبل أن يصل إلى اللسان، ضحكات هنا وهناك، ولسان حالنا يقول: ليت الأيام كلها أعياد؛ لفرط بهجتنا بها.
حكاية عيد، نبدؤها من أولها أو المنتصف، لا فرق؛ فجمال حكاية الحكاية ألا نهتم بترتيب معين، ولا نذهب إلى تدقيق ما، ولا نعنى بتوثيق التفاصيل بدقة، بقدر ما نتأملها على مهل؛ حيث صوت الماضي الذي نقاوم به عواصف الحاضر، لنقول: لم نكن مجرد سالكين لطريق الحياة بل كنا نحن الحياة نفسها.
لحظات من الذاكرة، تربك قليلًا، لكنها تظل محفورة في الوجدان إلى الأبد.
تلك هي سيرة العيد، التي كنا نحبها كثيرًا وما زلنا...، سيرة لا تشبهها سيرة أخرى.
دامت سير أعيادكم ذكرى جميلة في قلوبكم، وكل عام وأنتم بخير وإلى خير.
** **
- د. حصة المفرح