د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن نجاحات مواسم الحج المتوالية حتى هذا العام 1444 وسم سعودي وصور غزيرة مُشرّفة في المآثر والمزايا كانت وماتزال إبلاغاً وتوثيقاً للعالم أن بلادنا نمير ونور مختلف؛ وأن استراتيجية قيادتنا في إدارة شؤون قاصدي المناسك في ذلك الركن الإسلامي العظيم استراتيجية نفيسة فريدة؛ وأن بلادنا استقبلتْ ضيوف الرحمن استثناءً وشرفاً حباها الله به دون العالم؛ وذلكم شرف وتشريف؛ وانبرى العالم كله يتحدث عن احتفاء بلادنا بذلك التشريف في صور جلية، تحدثتْ عنها منابر قلوب الحجاج الذين رأوا رأي العين، ونالوا في محضن بلادنا كل صنوف التيسير لأداء الشعيرة وتحدث العالم عن العلامات المضيئة التي امتلأت بها فضاءات المشاعر المقدسة في «أيام معلومات».
فحين احتضنت بلادنا الملايين من المسلمين الذين جاؤوا يؤدون ركناً من أركان الإسلام ويتمّمون شعيرة حجهم شاركتهم بلادنا شرط القدرة والاستطاعة لـ{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}, ففسحتْ بلادنا آفاقها في تلك البقعة المقدسة التي خصها رب العباد بأول بيت وُضع للناس, تُجلّلُ مساعي بلادنا غايات مُثْلَى منبعها عقيدة راسخة, ويقين أكيد أن ذلك الحشد السنوي المتصل بالإيمان الضارب في أعماق المسلمين تلزمُه إرادة لا تلين واتكاء متين على أولي العزم تخطيطاً وتنفيذاً وإنسانية فيشهد الحجاج في داخل المشاعر والعالم أجمع جموعاً من رجال هذه البلاد ونسائها تُرتبُ تفاصيل المشهد كاملاً وفق توجيهات القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد حفظهما الله.
فإذا ما تحدث العالم عن علم إدارة الحشود فهو في بلادنا تطبيق استثنائي لايشبهه فعل وهو علم ودُربة واحتساب، وإن تبارى العالم في أطروحات التنظيمات الإدارية فقد نالتها بلادنا في مواسم الحج باستحقاق ووشاح تميز وإن رُصدت مواقع الأمن وحياض الحماية فإن أمن الحجاج وثائق فداء حقيقية نباهي بها الأمم, ويستظل بها الحجاج في كل شبر من المشاعر المقدسة, وإن كانت للبيئات المثالية حين الحشود أمثلة عند المنظّرين, فبلادنا حصدتْ منها أطواق سمو وبطاقات تميز وأوسمة شرف.
وإن أشاد العالم بمؤسسات الصحة فنحن في العدوة العليا منها فلم تكن منشآتنا الصحية في المشاعر المقدسة معدّة لاحتضان العوارض المؤقتة فقط إنما بلغت شأناً عظيماً قدرة واستيعاباً وإتماماً؛ فمن رأى قوافل الطوارئ تنطلق بالمرضى من ضيوف الرحمن من المستشفيات إلى مشعر عرفات ليقفوا على صعيدها ويتمموا مناسكهم فسوف يدرك مدى الإحكام الذي بُنيت عليه استراتيجية إدارة مواسم الحج ويدرك أيضاً أن الحصاد كان قوياً كَمَا هي طبيعة الإنجاز في واقع المشاعر المقدسة, وتتابع المقاصد السامية في مواسم الحج وغيرها كثير جداً من الاستراتيجيات الكبرى التي منحتها قيادتنا الرشيدة مفاتيح الدخول إلى كل الفضاءات لتيسير أداء الشعيرة على ضيوف الرحمن في كل مواسم الحج حتى موسم حج هذا العام 1444 بتوفيق من الله ثم بعزيمة المخلصين من أبناء بلادنا.
إنّ ذلك الاستمرار المتدفق, وتلك المشاريع العملاقة في المشاعر, وتلك الحشود المؤهلة لراحة الحشود القادمة من الحجاج، ثم الحصاد السنوي في كل موسم عندما تسطع أضواء المنجزات في الآفاق ويعلو صوت الاستحقاق بأن خدمة ضيوف الرحمن هي شرف بلادنا الذي تسمى به قادتنا وتساموا به كما أن مواقفنا الثابتة منذ الأزل تجاه ألوية الحجيج التي برعتْ فيها قيادتنا الحكيمة حين نجحت في صناعة التنسيق بين قطاعاتها المختلفة لتحقيق خدمات متميزة لضيوف الرحمن؛ وامتدتْ الذهنية السعودية إلى الحجاج وهم في بلادهم تيسيراً عليهم حين تم تطبيق مبادرة (طريق مكة) كما أبدعتْ بلادنا في قيادة مراحل أداء النُّسُك بكفاءة واقتدار كل هذا وذاك اختصاص لبلادنا وفضل من الله.
ولعل من حديث الواقع حين نقول إنَّ خدمة حجاج بيت الله أصبحت جزءاً من هوية هذه البلاد الطاهرة ومن صِلاتها بالآخر ومن رموز حضارتها, ومكوناتها الفكرية, وهو شرف لا ندّعيه بل حقيقة ماثلة لا تملكها دول العالم قاطبة،كما أن بلادنا بلغتْ في العناية والاهتمام بمواسم الحج مالم يبلغه تنظيم أو حشد دولي آخر لسمو المقصد ونبل الهدف، إضافة لارتباط تلك الشعيرة بعقيدة المسلمين وتمام دينهم, فخدمة الحجاج هي خدمة للإسلام والمسلمين, وتأسيساً على ذلك التفرد الذي يُسطّر بمداد من الذهب أعواماً عديدة ولأنه في كل عام تبرز الجهود شامخة تحزم عزائم القوة وتباري أوقات الإتمام فإنني ومن منبر الإعلام المكتوب أقترحُ أن يُدرج الحج ضمن مواد الهوية التي تُدرّس للأجيال في منشآت التعليم العام في بلادنا فكما يُدرّس تاريخ بلادنا وشموخها يكون إفراد (الحج) بمقرر دراسي لا يُركز على محتوى الشعيرة ومناسكها فحسب فهذا الشأن حفظه لنا كتاب الله وسنة رسوله إنما يتضمن المقرر تاريخ تطوير بيئات المشاعر, وخدمة الحجاج في بلادنا والخطط العملاقة التي تبلور ذلك كل عام والمساحات المضيئة في أعمال الحج, وقواعد التأسيس لصناعة المواسم الناجحة في الحج. والمبادرات العملاقة لخدمة الحجاج التي توالت مثل مبادرة (طريق مكة) وأن يكون محتوى المقرر معارف حافزة ومحفزة للأجيال أن يفاخروا ببلادهم وأن يظهر منهم أجيال توّاقة للإسهام في صناعة النجاحات لتلك المواسم الإيمانية ويكون ذلك المقرر امتيازاً في المدارس السعودية؛ وأن يكون موسم الحج ونجاحاته في كل عام حديث الإعلام التربوي في المدارس ومنشآت التعليم في زمن مخصص خلال وبعد مواسم الحج من كل عام فيه بسط لجهود بلادنا العظيمة في إدارة مواسم الحج والرؤى العالمية التي أحاطت بالموسم الإسلامي العظيم.