خالد بن حمد المالك
شهد العالم هذا الأسبوع مجزرةً دمويةً من نوع جديد، تقودها إسرائيل، وتؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم تنفيذها بالتفاهم المسبق بين تل أبيب وواشنطون، فيما يقف العالم متفرجاً، ومطالباً بالتهدئة، وعدم التصعيد، وكأنه لا بأس من استمرار العدوان الإسرائيلي على جنين والمخيم ولكن أن يكون بأقل الأضرار الممكنة.
* *
إسرائيل بهذا العدوان، وما قبله منذ أكثر من سبعين عاماً وإلى اليوم، لم تهنأ بالاستقرار والسلام، لأنها أخذت بالمسار الخطأ في التعامل مع حقوق الفلسطينيين، وهو ارتكاب المجازر، وتخويفهم بالسجون، وهدم المنازل، واجتياح القدس الشريف، وحرمانهم من أي حقوق، وإنكار إقامة الدولة الفلسطينية، وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية والثنائية، وسيظل الأمر هكذا إلى أن تستجيب الدولة اليهودية بإقامة الدولة الفلسطينية.
* *
والولايات المتحدة الأمريكية هي من يشجع إسرائيل على هذه السياسة، ويحميها من أي إدانات دولية، ويمنحها الغطاء الذي يشرّع لها هذا العدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني، وهي من يجهض أي قرار دولي يدين العدوان، أو يؤكد على حقوق الفلسطينيين في دولة لهم، وواشنطون هي من احتكرت لنفسها الحق في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي حتى لا يكون هناك أي تدخل من أي دولة يفسح المجال أمام حل يعيد للفلسطينيين حقوقهم.
* *
هذه السياسة الأمريكية أضرت بإسرائيل أكثر من أن تكون قد أفادتها، وها هي الدولة المستعمرة - إسرائيل - تفكر الآن في تسليح كل المدنيين الإسرائيليين وفق ما دعا إليه وزير الأمن القومي الإسرائيلي لعجز جيش الاحتلال من إنهاء المقاومة الفلسطينية رغم إفراطه في استخدام القوة المسلحة ضد الفلسطينيين، ما يعني أن إسرائيل في خطر دائم ما لم تعد إلى اتفاق أسلو، وإلى إقامة دولة لإسرائيل وأخرى لفلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
* *
غزو إسرائيل لجنين ومخيمها جاء بادعاءات واهية، قال الجيش إنه اكتشف مخابأً لأسلحة بكميات هائلة، وأنه عثر على مصانع لتصنيع المتفجرات، وليس من عاقل سوف يصدق ذلك، إذ لو كان لدى الفلسطينيين كل هذا، لكانوا قد أوقعوا بين جيش عدوهم قتلى وإصابات لا أن يخرجوا بقتيل واحد، بينما يصل عدد قتلى الفلسطينيين إلى 12 قتيلاً، وأكثر من 170 مصاباً أغلبهم في حالة حرجة، إلى جانب اعتقال 300 مواطن، وتهجير خمسة آلاف شخص من سكان مخيم جنين.
* *
تصريح البيت الأبيض بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وتأمين الأمن للشعب الإسرائيلي، وتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هذا الغزو لجنين ومخيمها تم بالتنسيق مع أمريكا، ثم شكره لواشنطون على دعمها لإسرائيل، كل هذا يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية طرف رئيس في هذا العدوان الدموي الإسرائيلي، وأن واشنطن لم تعد طرفاً نزيهاً في معالجة هذا الصراع، أو الوصول إلى حل عادل لهذه المشكلة.
* *
إسرائيل تخطئ كثيراً إن ظلت تسير على هذا النهج في معالجة صراعها مع الفلسطينيين، ويخطئ داعموها ومناصروها من أمريكا إلى دول الغرب في تأييدهم للسياسة الإسرائيلية، وإصرار تل أبيب على عدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين بدولة وفق قرارات الشرعية الدولية، فالحل يأتي من خلال الحوار والتفاهم، وتطبيق القرارات الدولية، وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل عدوان عام 1967م وعاصمتها القدس، مع كل الضمانات الدولية لأمن الدولتين بعد هذا التقسيم.
* *
لقد تضرر الفلسطينيون من هذا العدوان بـ80 % من منازلهم ما بين تدمير كلي أو جزئي، وإحراق وتخريب وإتلاف ممتلكاتهم، بحسب ما صرَّح به نائب محافظ جنين، كما أنه تم تدمير مسجد ومستشفى في مخيم جنين، إلى جانب تدمير البنية التحتية للمخيم من شبكات ماء وكهرباء وهاتف وصرف صحي، وفقاً لتصريح رئيس بلدية جنين، وجاء الرد الفلسطيني على هذا العدوان خارج المخيم وجنين، بدهس عدد من الإسرائيليين ثلاثة منهم في حالة خطيرة، وإطلاق نار على مستوطنة تضررت كثيرًا، وستظل المعارك مفتوحة ما لم يتم الوصول إلى حل لوضع الفلسطينيين، وهو ما يجب أن تفهمه إسرائيل ومن يدعمها في عدوانها، وإنكارها لحق الفلسطينيين في دولة لهم على أرضهم.