د.محمد بن عبدالرحمن البشر
السودان مازال في دوامته التي لا طعم لها ولا رائحة، ولا فئة فيها رابحة، وليس لها عنوان، ولا في المنطق لها مكان، والتقاتل والتنازع بين دول مجتمعة ضد أخرى، أو دولة وجارتها، أو بعيدة عنها حدث، ويحدث، وسيحدث، والصراعات بين القبائل أو الأفراد أو المناطق مألوف، والصراع بسبب الأيدلوجيا كثير، والاختلاف والنزاع بسبب طموح فرد، أو مجموعة أفراد للوصول إلى السلطة، سائد في كثير من الدول، لكن أن يحدث صراع بين فردين على رأس السلطة، ولا ينتهي بوثوب أحدهما إلى الكرسي، فهذا غير معتاد.
في السودان الأمر مختلف جدًا، فالمتنازعان كانا على رأس السلطة، وقاما بالانقلاب أو الثورة كانا يسمونها، معاً، وجرا معهما البلاد إلى الموت والدمار لأبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا سبب ولا أيدولوجيا ولا مناطقي ولا قبلي، وإنما عراك فردي، كان أولى أن يكون بالأيدي بدل السلاح، أو أن يكون عراك بينهما بالسلاح فقط، فيصرع أحدهما الآخر، وينتهي الأمر، لكن أن تجر معك البلد بأسرها، فهذا أمر غير مفهوم، هناك أشياء قد تحدث في كثير من الدول لكنها تعالج بالصبر والحكمة والحنكة، وطول البال، والتنازل للوصول إلى حلول وسط.
أقوى دولة في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية، وأقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، دعيا إلى المصالحة، وبذلا جهداً ليس له حدود، لاسيما المملكة لما يربطها بالسودان من أواصر قربى، ومجاورة، وتاريخ، وثقافة، لكن مع ذلك لم يستجب الطرفان حتى للهدنة، فإذا لم ينتفعا بما قدمته المملكة والولايات المتحدة الأمريكية فلن ينتفعا قط بأي مشورة أو وساطة أخرى، والطرفان يعرفان مكانة المملكة وفضلها عليهما شخصياً وعلى السودان، وكأن هذا الصراع يستهويهم للوصول إلى ما لا يحمد عقباه، ولا أحد يتمناه، ومن الأولى عدم ذكر التوقعات المحتملة إذا استمر النزاع بهذه الوتيرة، ولا بد أن صناع السياسة في الدول المؤثرة، أو تلك التي قد تتأثر سوف تضع السيناريوهات المحتملة.
الاختلاف بين زعماء البلد الواحد، أو الدول المتحالفة مألوف ويقع كل يوم، لكن أساليب الحلول، ووضع مؤسسات له، يكون فيها النقاش والقانون والنظام هو الحكم، يجنب البلاد الكثير من الانزلاقات التي قد تقع فيها، والرجلان في السودان ليس بينهما خلاف أيدولوجي، أو قبلي، وإنما شخصي بحت، وأرادا الحل بطريقة مؤلمة، وعلى النقيض فالدول المستقرة، يكون القانون والبرلمان والمحكمة الدستورية، هي الفاصل في كل اختلاف، فمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية هناك الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، بينهما توافق في سياستهما الخارجية مع اختلاف يسير، فهما متفقان في مساعدة أوكرانيا، وما يحدث من تلاسن إنما يكون لأغراض انتخابية، وهما أيضاً متفقان في الموقف من الصين، وإيران، وكوريا الشمالية ومن الدعم المطلق لإسرائيل، لكن مع شيء من التجميل والتمليح هنا أو هناك، وحتى في قرار الخروج من أفغانستان، كان التوافق موجوداً فقد اتخذه الرئيس السابق ترامب ونفذه الرئيس الحالي بايدن، كما نجد أن القرارات المؤثرة يتم الرجوع فيها إلى استفتاء الشعب كما حدث لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، غير أن موضوع الاستفتاء ربما يعكس الرغبة في وقت معين وتحت تأثير إعلامي أو نزعة وطنية مرحلية، قد تجر إلى عواقب غير محمودة، ولم يستفيدا من التاريخ، وللأسف فرجلا السودان لم يفعلا شيئاً لإطفاء النار قبل اشتعالها، ولم يتفقا على ما طرحته من هدنة دولة شقيقة حريصة على السودان وأهله، وأخذا السودان إلى منحى مؤلم حقاً .
لا شيء في الأفق، يظهر الأمل في توقف الحرب، وفيما يبدو أنه لا نية لدى الرجلين لإنهائها سلمياً في الوقت الحاضر، وعليه فسيستمر العراك المحموم حتى يموت أكثر عدد ممكن، وبعد ذلك قد يحدث أمر الله به عليم، فكلما ينظر المحب للسودان في التلفاز إلى الدمار وتشرد المواطنين، والبيئة التي أوجدتها الحرب، كلما تقطر القلب ألماً على ما يحدث. فالشعب السوداني النبيل يتميز بأخلاق كريمة، وصفات محمودة من كرم، وأمانة،وتراحم، وهدوء، وطيب خاطر.
لو ترك بعض من الشعب السوداني العزيز التعلق بالأيدولوجيات، وانصرف الحكام إلى البناء الداخلي، وبناء علاقات حميدة مع الدول المجاورة وغير المجاورة، لكان الحال الآن أفضل مما هو عليه، ولأصبح السودان بيئة استثمارية جاذبة لتمتعه بخيرات لا تعد ولا تحصى من ماء، وكلأ، ونهر، وزرع، وفضة وذهب، وغيرها من المعادن، وفوق ذلك قدرات بشرية متعلمة وذات كفاءة عالية.
نتمنى من العلي القدير أن يمن على السودان بالأمن والسلام، وأن يصلح الحال، ويرفع عنه الوبال، وأن يرزق أهله خير المآل. وأن يمنح من بيدهما الأمر، الحكمة والنظر بعين البصيرة، إلى شعب كريم هم جزء منه، عانى ويعاني الكثير من المآسي.