د. محمد بن إبراهيم الملحم
أكبر عدد حجاج كان عام 1433 هجري الموافق 2012 ميلادي، حيث بلغ 3.2 مليون حاج وحاجة. وعبر السنوات فإن متوسط عدد الحجاج السنوي هو قرابة المليونين، وهذه الأرقام الضخمة تخدمها حكومة المملكة العربية السعودية وفقها الله بكل اقتدار وتقدم لها الخدمات المتميزة ولم تدخر وسعاً في جعل الحج حدثاً ناجحاً كل سنة بفضل الله وهي سمة مميزة لبلدنا الغالي حفظه الله وحفظ قادته من كل سوء. وإني أستخلص من ذلك مقترحاً أرجو أن يجد عناية حكومتنا الكريمة وهو أن يخصص عام بين كل خمسة أعوام يسمى «عام الضعفاء» فتخفض فيه أعداد الحجاج إلى نصف مليون وتخصص الأولوية فيه لكبار السن جداً (فوق الثمانين) وأصحاب الحاجة من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وجميع من هم أمثال هؤلاء من فئات «الضعفاء»، ويكون ترتيب الأولوية للأكبر سناً ثم الأقل منه، كما يمنح لكل ضعيف من ذوي الأمراض تأشيرة (أو تصريح) لمرافق واحد من غير فئة الضعفاء يتولى رعايته، لقد مررنا بتجربة عام 1442 حينما كان عدد الحجاج لا يتجاوز الستين ألفا تقريباً ليعيش من حجوا تلك السنة تجربة جميلة جداً كان فيها الحج أكثر من سهل وميسر بسبب العدد المنخفض، وعندما نتفكر في إمكانيات المملكة العظيمة في خدمة الحجاج سواء إمكانيات البنية التحتية أو الخدمات التي يتم توفيرها فترة الحج فإني أعتقد أن عدداً يتراوح بين 400 و500 ألف سيعيش نفس تجربة اليسر المفرط التي مر بها العدد 60 ألفاً عام 1441، وأشير إلى أن النقص الحاصل في نسبة الحجيج السنوية للعام المقترح (عام الضعفاء) يمكن تعويضها بزيادات مدروسة عاماً قبله وعاماً بعده أو عامين قبله وعامين بعده ليظل متوسط الحجيج السنوي هو نفسه، وعموماً فإن الرقم المقترح هنا للتخفيض ليس بالضرورة هو ذاته نصف المليون ولكنه متروك لدراسة الإخوة المسؤولين وخبرتهم الطويلة في الحج ليقدموا ما يلائم مبدأ الفكرة وغايتها الإنسانية ويتواءم في نفس الوقت مع خطط وتوجهات حكومتنا الرشيدة الحكيمة، ولكن يظل مبدأ تخفيض العدد هو سمة ووسيلة (عام الضعفاء).
الضعيف ولله الحمد يؤدي الحج حالياً في العدد النمطي بيسر، وتجربة السنوات أثبتت ذلك، وجهود الدولة رعاها الله وتسهيلاتها المتنوعة هذا همها الأول، بيد أن الحشود الكبيرة التي إن نجحت الجهود ولله الحمد في تقليل سلبياتها إلى أقل حدٍّ فإن لها أحكامها ومترتباتها التي يصعب إلغاؤها البتة، والحاج يدرك أنه لابد أن يتحمل ما تسببه الحشود من ظروف متنوعة من الصعوبات الفردية التي لا يعقل أن تتعامل معها السلطات. وهذه الظروف يتعاظم تأثيرها على الشخص الأكبر سناً مقارنة بمن هو أقل منه. وهذه من المسلمات، لذلك يمثل تقليل العدد وسيلة فعالة لضمان انتفاء هذه المنغصات، وتحول الحج إلى مستوى أعلى من الرفاهية للحاج الضعيف، بل إن لفكرة (عام الضعفاء) فوائد أخرى متنوعة فهو قد يشجع من يتردد في الحج من فئة الضعفاء خوفاً من الزحمة والحشود الضخمة إلى الإقدام والتسجيل للحج، كما أنه يكون أيضاً فرصة لانضمام الشخصيات الخاصة وذات المناصب الحساسة في دولها ليحج أكبر عدد منهم في مثل هذا العام حيث تتسهل مهمة حماية هذه الشخصيات المهمة من ضيوف المملكة في مكان له ظروفه المختلفة. وفوق ذلك أيضاً فإن بعض مشاريع الحج الإنشائية التي تتطلب مدة أطول من عام يمكن أن تجدول ضمن فترة هذا العام بدءاً من العام السابق له (بعد الحج) وانتهاءً في العام اللاحق (قبل الحج) وبذلك تتوفر لها مساحة زمنية أفضل من تلك التي في النمط المعتاد.
إني أدعو إلى ذلك وأعلم أن سيدي خادم الحرمين الشريفين حريص كل الحرص على تيسير حج هؤلاء الذين هم أكثر احتياجاً من غيرهم إلى فريضة الحج وهم يقفون على أعتاب نهاية مسيرتهم الحياتية ويستعدون لتوديع الدنيا ولقاء ربهم عما قريب، ويتمنون أن يحظوا بزيارة بيت الله وغسل أدران ذنوبهم وتقصيرهم والحظي بمغفرة ربهم في يوم عظيم كيوم عرفة وفي مكان مبارك كبيت الله الحرام جوار كعبته المشرفة، إني أنظر إليها كتحقيق آخر وأغلى أمنية لكل شخص يتوقع أن يغادر الدنيا قريباً... إن تسهيل حج هؤلاء وتيسيره بهذا المستوى المتقدم فوق ما منحته سابقاً حكومة سيدي خادم الحرمين سلمه الله من عناية واهتمام بتوفير المتطلبات المادية والمعنوية والخدمات المتميزة سيكون علامة تميز فوق عادية تضاف إلى سجل المملكة الناصع كما يقترن باسم والد الجميع الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله كخطوة تاريخية يسجلها التاريخ سُنّة يسير عليها من بعده في «إسعاد» الضعفاء بهذه الطريقة المبتكرة التي تليق بمملكة الإنسانية والعطاء.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً