نورة حمد الشبل
الذين ذهبوا إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج قبل سنوات، وعادوا إليها هذا العام، سيشعرون -مثلي- بحالة من الانبهار، نظير التحول الكبير الذي شهدته المناسك، بعدما صار الحج بالفعل رحلة روحانية وإيمانية استثنائية وتجربة مثيرة لا تنسى، بل أعظم رحلة في حياة المسلم أو المسلمة.
عشت -شخصياً- قصة من الفرح وسعادة لا يمكن أن تجسدها الكلمات، في رحاب مكة المكرمة، وخلال التنقل من عرفات إلى منى مرورًا بمزدلفة، كنت جزءًا من مشهد رائع جسده ما يقارب من 3 ملايين شخص في أطهر بقاع الأرض، حيث شهدت المشاعر المقدسة منظومة من الخدمات والمشاريع لا حصر لها.
تحولت منشأة جسر الجمرات إلى منظومة متكاملة للتيسير على الحجاج بعد أن كانت تمثل هاجسًا للجميع بسبب التدافع والزحام، لتصبح الجمرات منجزًا حضاريًّا عملاقًا، تصعب مجاراته، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته مع مشروع آخر، بل أصبح في رأيي مشروعًا فريدًا من نوعه أحال مشعر منى إلى مدينة عمرانية متفردة في تصميمها العمراني والهندسي، وشهدت المشاعر توسعة صحن المطاف أحد أكبر المشاريع الجبارة والتاريخية برفع الطاقة الاستيعابية ليضم 105 آلاف طائف ويقوم المشروع على إعادة ترتيب الحرم القديم والتوسعة السعودية الأولى، ما يمنح الطائفين شعورًا واضحًا بالسعة والراحة أثناء الطواف.
بعيدًا عن المشاريع الجبارة التي حولت الحج إلى متعة إيمانية، كان التعامل الإنساني الراقي لكل المشاركين في تنظيم هذه الشعيرة قصة نجاح أخرى، من المتطوعين إلى رجال الأمن والجهات الحكومية الـ40 المشاركة في التنظيم، رسم جميع المشاركين مشاهد إنسانية أسرت القلوب، وكانت مثار إعجاب حجاج الخارج أكثر من غيرهم، لاسيما أن حجاج الداخل اعتادوا على هذا التعامل الإنساني الذي يميز رجل الأمن في المملكة.
مشاهد عفوية شاهدها الجميع لرجال أمن يساعدون الأطفال وكبار السن، ويضربون أروع الأمثلة في التفاني وخدمة الحجيج بحب وإخلاص، حيث ظهر أحدهم وهو يساعد طفلة على رمي الجمرات، قبل أن يطبع قبلة على جبينها بعد انتهائها من مهمتها، وبادر الكثيرون برش رذاذ الماء على ضيوف الرحمن لتخفيف درجة الحرارة، وحرص آخرون على حمل المظلات لكبار السن لمساعدتهم في الوقاية من حرارة الشمس، وتقديم الماء والعصائر ومساعدة المسعفين لمعالجة من أصيب بإجهاد حراري، وكذلك حمل ومساعدة الأطفال في تلك الأجواء، دون أن تغيب عن وجوههم الابتسامة.
تفاصيل مهمة.. ورحلة ستظل محفورة في ذاكرتي ما حييت.