منال الحصيني
طيلة ساعات الرحلة لم استطع أن اغفو ولو لدقائق، فالأفكار تعتلج في مخيلتي بين زمن مضى وحاضر ارتمى.
كانت سطور باي باي لندن أشبه بطيف انظر إليه ليس بالبعيد ولا بالقريب.
مفاد ما خلصت إليه، أن شعوراً غريباً راودني في وجوه العابرين، كما نظرت إليه في عيون المتسولين، ومثله في خطوات المترفين المتبخترة.
الكل في حركة دائمة، الأشياء متغيرة، قصور كانت تدار بها نصف قرارات العالم المصيرية إن لم يكن معظمها أصبحت شيئا من الذكرى، ستسير الأمور لكن لا أظنها كما كانت في سابق عهدها.
ماذا عن الأموال المتدفقة وتلك الصفقات وما خطب تلك البورصات التي غدت عيناي تشخص في السماء وتحط في الأرض كما لو كانت تنتظر استقرارها.
هل ستعود قبلات المحبين التي طبعت في تشرين منذ الألفين قبل العشرين!
لعلها تعود كصرخة مولود جديد لأب عاد للتو من مسيرة تخرجه توّج فيها بفرحة العمر التي ضاق بها ذراعاً لتخبره أن صبره لم يذهب سدى.
ها هي عتمة الليل تحل في سماء مدينة دون لها التاريخ وكتب عنها المحبون وروى عنها الشعراء أضاءت أنوارها قائلة هيت لك... اهتدي بأنواري واستبصري أماكن الذكريات.
ولكن هيهات هيهات فما كان يسعدني في سالف عهدي لم يكن الآن، ربما رشد أمري يا مدينتي ولربما أصبحت ذائقتي تميل للمستحيل.
هل نحن المتغيرون أم الحياة وفقا لهذه الدينامكية غير القابلة للركود؟
كان سؤال قد طرحته على نفسي في الساعة الثانية ظهرا أمام بوابات السفر في هيثرو فأنا والسياسي والفنان والمعتوه نسير وفق إجراء واحد.
فما كان مني إلا أن أذكر إحدى مقولات غازي القصيبي (أي أبله هذا الذي يتوقع من لندن أن تلاحظ فراقه أو تذكر أيامه أو تتمنى عودته).
طاقم الطائرة يعلن عن الاستعداد للهبوط في مطار الملك خالد الدولي بعد رحلة أشبه بالمعركة كان عقلي قائداً لها أنهت قلبي ومشاعري فأذنت له بأن يستلم رأيك الحرب، فالحمد لله على سلامة الوصول وسلاماً مني على روح ذلك الدبلوماسي الذي تمنيت أن يكون بيننا ليكتب (الرياض كوكب مستقل يتعامل مع كوكب الأرض).