فراس طرابلسي
من مساوئ قنوات التواصل الاجتماعي وسلبياتها، ما أفرزته من مشاهير «العبث» الذين باتت أخبارهم ومحبوهم ملء السمع والبصر، وأصبحوا قدوة يتوق النشء للوصول لمصافها، وهنا يكمن الخلل عندما يكون القدوة خاليا من مبادئ القدوة وأركانها ومعاييرها، ففي زمن ليس ببعيد كان هناك توافق أن من يُقتدى به يكون هناك توازن بين جمال شخصيته ومظهره وما بين خلقه وتصرفاته، فالأخلاق لا تجزأ ولا يمكن أن يكون هناك شخص غير منضبط في جوانب، ومتلبس برداء الحمل والملائكية في شق آخر يظهره في مواقف معينة.
فالكريم كريم في جميع أمره جهراً وسراً، والخلوق تظهر سجاياه في كل وقت. والمحزن أن ينشأ جيل يفتقد لميزان القبول والرفض للأمور وفقا لمعايير الجمال والخير «والعلوم الخيرة والغانمة». أمر مثير للحزن عندما ترى كثيرين يصرحون بأمانيهم بأن يكونوا مثل «فلان المشهور» وعندما تسأله لماذا تتمنى ذلك؟
يقول بلا تفكير «لشهرته» وكثرة «متابعيه» ولما لديه من «أموال»، وهنا تكمن الكارثه عندما ينفصل الكم عن الكيف، فكم المتابعين إن لم يكن لفائدة وخير وكانت مقصورة على التباهي بطريقة مليئة بمحاذير يرفضها العرف ويلفظها من قبله الشرع، فإبليس لديه من المتابعين المنساقين خلف غيه وضلاله ملايين الضالين، فهل ستنفعه شهرته أعاذنا الله من الشيطان الرجيم.
والمال لم يكن أبداً درعاً واقياً لصاحبه، وإلا لاستفاد منه قارون الذي لم يغن عنه ماله شيئاً عندما حل به عذاب المولى عز وجل. لست ضد الشهرة التي تفيد صاحبها ومتابعيه وتجر تبعاتها المحمودة للمشهور لقيمة محتواه الإيجابية، والتي تسجل فيها أقواله وأفعاله في صحف تؤتى باليمين. لذا وجب علينا وضع الميزان الحقيقي لتقييم الغير لدى الأبناء ويكون طموحهم واقتداؤهم متوازيا مع سمو الغاية ونبل الوسيلة ومشروعيتها.
وألا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه، لست مع استخدام التخويف بالقيم الدينية والثوابت المجتمعية المتوافقة مع بيئتنا الوسطية لمن لا يمتلك العمق. ولكن وجب تأهيل هذا النشء أن يعي الشق الوقائي من هكذا أسس نابعة من ديننا الحنيف وأعرافنا المنضبطة خصوصاً في طور التكوين.