عطية محمد عطية عقيلان
مفارقة تدعو للتأمل والتفكير عن أخبار الحوادث البحرية التي حدثت في الأسابيع الماضية، ورغم فاجعتها، والنهاية المأساوية لها، رغم اختلاف الدوافع، لكل مغامرة أو رحلة، فحادثة الغواصة «تيتان» حيث قام رجال أعمال أثرياء باستئجارها، بغرض الغوص في أعماق المحيط الأطلسي، وذلك لرؤية حطام سفينة تيتانيك التي غرقت بعد اصطدامها بجبل جليدي عام 1912م، وأدى إلى وفاة 1500 شخص، وتم اكتشاف حطامها عام 1985م وتقبع في قاع المحيط على عمق حوالي 13 ألف قدم، وبعد انطلاقها بأيام، فُقِدَ الاتصال بها، وبعد خمسة أيام أعلن عن تعرضها للانفجار، ووفاة ركابها الخمسة، ووجد حطام الغواصة المفقودة قرب موقع السفينة تيتانيك، علماً أن تكلفة كل راكب كانت ربع مليون دولار، علماً أن الاهتمام منذ أكثر من مائة عام، بتغطية كارثة سفينة تيتانيك حيث تصدرت الصحف في كافة أنحاء العالم حينها، وهذا ما حدث مع الغواصة تيتان، حيث تم متابعة أحداثها بشكل مباشر على مختلف المحطات ووسائل التواصل، ولكن ما يجمع ما حدث في الكارثتين، هو أن ركابهما من الصفوة والأثرياء لأن التذاكر مكلفة، وكان هناك من أطلق عليه وصف محظوظ «تيتان» وهو البريطاني كريس براون الذي انسحب من هذه الرحلة بسبب مخاوفه من معايير السلامة، ونجا منها.
وفي المقابل وفي نفس فترة فقدان الغواصة تيتان، كان هناك غرق مركب للمهاجرين بطريقة غير شرعية، قرب السواحل اليونانية، وعلى متنه 750 شخصاً، وأدى إلى مصرع وفقدان المئات منهم بينهم مائة طفل، علماً أن تكلفة الرحلة على قارب «المقامرة وليس المغامرة» هي تقريباً 4500 دولار، مع مخاطرة كبيرة في هذه المراكب، وأهمها عدم شرعية ذلك، وتحميلها لعدد أكبر من طاقتها وضعف أو انعدام معايير السلامة والأمان، وجل هذه الرحلات، ينتهي بنهايات مأساوية وموت الكثير منهم، ورغم ذلك لا يتوقف الإنسان عن مغامراته ومقامراته في الحياة، ولكل طرف مبرراته ومسبباته لاتخاذ القرار الذي يلائم حياته، وهذا يأخذنا إلى أن دوافع الناس وقراراتهم وقناعاتهم، تبنى حسب ثقافتهم وظروفهم المالية والتعليمية والمعيشية، وهذه القناعات تختلف بين الناس، لذا من الأهمية عند مناقشة الأصدقاء والزملاء، والأقارب، التنبه لوضعهم، خاصة الاقتصادي، فلا نطالبهم بالتوفير والادخار وشراء منزل خاص أو السفر، لمن ظروف حياتهم ودخلهم على قدر مصروفهم، وهم ليس لديهم رفاهية التوفير والاختيار والسفر حسب الهوى، وشاهدنا نصائح بعض رجال الأعمال أو أبنائهم أو نصائح رواد الأعمال أو المشاهير، وهم يضعون الخطط والحلول للناس لكيفية عيشهم وأهمية الادخار والتوفير حتى يصبح لديهم رصيد بنكي، وجل ممن ينظرون على المجتمع، ولدوا في ظروف تتيح لهم التجارب والمغامرة، لأن ذويهم يتحملون برحابة صدر الخسائر والعثرات لهؤلاء المنظرين.
خاتمة: تختصر مآسي البحر في أحداثه الماضية، المغامرات التي يخضوها الإنسان في حياته، ولكلٍّ دافعه الخاص ومبرراته، ورغم المجازفة والمخاطرة ولكنه يقدم عليها، فمن يبحث عن رؤية أعماقه، ومن يخوض مقامرة أملاً في الهجرة وتغيير حياته، وتؤكدها مقولة الكاتب المبدع، محمد الرطيان @alrotayyan «من الظلم أحياناً أن تطالب المشغول برغيف الخبز، أن يتخذ موقفاً تجاه الكعك»، وهي حكمة لنا جميعاً أن نقدر أن الناس ليسوا مثلنا في ظروفهم وطريقة تفكيرهم وحاجاتهم، لذا لنهتم أن نكون قدوة صالحة، بطريقة عيشنا، ودون نصح أو تقديم رأي لمن لا يطلبه، يقول المثل «الملح والنصيحة، لا يوهبان، إلا عند الطلب».