سهوب بغدادي
مع انتشار الحرائق وتعالي أصوات الاحتجاجات في الشوارع الباريسية وارتفاع وتيرة الغضب والاشتباكات بين أفراد الشرطة والمحتجين، نعي أن هذه المرة ليست ككل مرة، وأقصد أن ثقافة المظاهرات في فرنسا ليست بغريبة، بل هي أمر معتاد ويتجلى ذلك من خلال الحِكم والأمثال الشعبية لديهم وأحاديثهم العامية، حيث تواجدت مظاهرات «الستر الصفراء» منذ مدة ليست بقريبة، وهناك احتجاجات أخرى على صعيدين أكبر وأصغر، كالاحتجاجات المنبثقة من الاعتراض على إقرار نظام التقاعد الجديد الذي يقتضي رفع سن التقاعد النظامي من 62 إلى 64 وسبقتها موجات متفرقة على كل من الظروف المعيشية، وارتفاع أسعار الغاز، وغلاء المعيشة، ومطالب أو سخط روابط عمالية كل على حدة، وصولًا إلى ما نشهده اليوم من غضب شعبي عارم بسبب مقتل شاب جزائري في مقتبل العمر على أيدي أفراد الشرطة الفرنسية، فلماذا هذه المرة مختلفة عن سابقاتها؟ فتأتي الإجابة استنادًا إلى المعطيات التاريخية الكائنة بين فرنسا والجزائر، إن التوتر الحاصل الآن بدأ من الاستعمار الفرنسي، واستمر إلى يومنا هذا، فالجزائر بلد المليون شهيد، وحسبنا من الحاصل هذه العبارة، فلها مدلولات تاريخية قديمة وممتدة حيث تبقى آثار الاستعمار عالقة وإن طال الأمد، خاصة بعد تصريحات تنهش الجرح القديم موجهة في خطاب رئاسي من بلاد المستعمر، فقد قالها إيمانويل ماكرون في خطابه المثير للجدل «لم يكن هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي» كما سبق الخطاب مواقف أخرى طالت الجزائريين تتأتى من أزمة كورونا وتداعياتها، و تقليص عدد التأشيرات الممنوحة من قبل فرنسا للشعب الجزائري، بالرغم من الزيارة التي خصصها ماكرون للجزائر العام الماضي، وقام بتمديدها فجأة، حيث أتت الزيارة لرأب الصدع بين الطرفين، ولكنها لم تؤت ثمارها، باعتبار أنها لم تتضمن اعتذارًا صريحًا واكتفى بتشكيل لجان للتأريخ، فيما اكتفى ماكرون بمغازلة الشعب الجزائري عبر الثقافة والفن كعادته خلال زياراته للدول بتعريجه على الفنانين والرموز الثقافية كـ»ديجي سنيك» ورد الأخير عليه عبر الانستقرام، فلم يكن ذلك كافيًا ولن يكفي سوى التحرك المدروس والصحيح لحل عقد الملف الجزائري، إن فرنسا اليوم بحسب المحللين السياسيين الفرنسيين بحاجة إلى الدول الأخرى خاصة الشرق أوسطية، لسد الفجوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة مع تقهقر شعبية وصيت ماكرون داخليا، فهل يستدرك ماكرون شعبته خارجيًّا؟