حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
هو أديب شاعر فاضل، إن شئت أدباً وجدته، وإن شئت شعراً سمعته، إن تنغم به أطربك، إن قصه عليك أعجبك، وعندما يلقى اسمه على مسامعك تقفز بك الذاكرة إلى مشاهير الرواد في التعليم والتربية، والإعلام والإدارة والأدب والصحافة والثقافة، وفي كل وادٍ بنو سعد، هو اسم غني عن التعريف، وراية خفاقه، رجل من رجالات الأدب السعودي المعاصر، ورب من أرباب العلم، وصانع من صناع الكلمة والثقافة.
هو مايسترو الكلمة وهو لقب شرف لكل أديب وقائد والتركي، قاد زمام كرسي إدارة التحرير للشؤون الثقافية لحقبة زمنية زاهت وزانت أربعة عقود متتالية، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات الفكرية، والعطاءات الثقافية.
له في الصحافة اليد الطولى، وفي التأليف والكتب القدح المعلى، فقد أتحف مكتبة الأدب بما يزيد عن ستة عشر كتاباً، أضف إلى ذلك أحاد الألوف من المقالات، (وها قد مضت قرابة أربعة عقود من الكتابة المنتظمة نشر خلالها رقماً يصطف في خانة آحاد الألوف) هكذا قال الدكتور الأديب إبراهيم بن عبد الرحمن التركي في مقالته الوداعية، التي وسمها بالوسم التالي: (نقطة في نهاية السطر)، والمنشودة في غريمته وعشيقته الجزيرة العامرة، وعن (آحاد الألوف) هذه يقول الأديب الدكتور محمد المشوح «بعد أربعة عقود من الكتابة المنتظمة نشر خلالها رقماً يصطف في خانة «آحاد الألوف»، هكذا كتب الصديق د. إبراهيم التركي عن وداعه للصحافة حيث عاش وعشنا معه، أجل إنها لحظة مؤلمة لقامة أدبية كبرى، كان فيها أحد أكبر محركي المشهد الثقافي السعودي بكل اقتدار، ونقول له هذا وداع مرفوض). وقد أتحف الأديب التركي ساحة الأدب قلباً وقالباً، ومن أجل أعماله وأبرزها «المجلة الثقافية» في صحيفة الجزيرة الغراء، هذه المجلة تغنى الأدباء والمثقفون بها وسهروا على ليلاها ومن هؤلاء الدكتور: عبد الرحمن بن عبد الله الواصل حيث قال: (منذ أكثر من 4 عقود وأنا أقرأ مجلة أدب وثقافة في صحيفة الجزيرة إلى صدورها مجلة ثقافية، وقد نشرت لي ما يقرب من 80 قصيدة.
بل وحين اختفت الصحافة الورقية أو تقلصت صفحاتها، أكرمني أخي العزيز أبو يزن الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي ببعثها إليّ إلكترونياً كل خميس). ويقول الأستاذ الدكتور صالح ابن معيض الغامدي: (بالتأكيد ستفقد الساحة الثقافية طلتكم الأسبوعية البهية المميزة في الجزيرة الثقافية التي ارتبطتم بها وارتبطت بكم، ولكن عزاءنا أنك ستظل فاعلاً ثقافياً مميزاً في وطننا).
هذا وقد أبدع الدكتور الأديب في مقالته الوداعية وكان يلتقط كلماتها البليغة كلقطك لحبات المرجان، وكانت تفوح شذى وعطراً وعبيراً بمعشوقته الجزيرة، وما ذاك إلا للحبيب الأول، وحقيقة كل الحق، وصادقة كل الصدق تلك العاطفة التي حباها الجزيرة، وقد أثرت وأثرت في نفوس متلقيها، لأن حديثها حديث قلب يقع في القلب لا الأذان (سيبقى مخلصاً للجزيرة المؤسسة والصحيفة، ------- وسيستعيد أنه عاش فيها أجمل الأيام وحقق بعض الأحلام) والحديث له.
وقد وقف الشاعر إبراهيم التركي على الطلل، وأوقف الرحل، وتغنى بذكر معالم الأطلال حيث (تنقل فيها بين هوامش صحفية، والمعنى، والساعة الخامسة والعشرين، ويوميات الجزيرة، والرأي، وإمضاء، وفواتح الملفات، وتقديم الإصدارات)، وكانت هذه الرحلة قد ضربت رقماً قياسياً في تاريخ الثقافة، وهو أربعون عاماً رفل فيها فترة الشباب والكهولة: (ومرت الأعوام كما تمر الحياة، فالشاب صار كهلاً، والكهولة هنا تلطيف للشيخوخة التي لا يسعها مكان تتوارى فيه) وصحيح أنها رحلة طويلة تقطعت فيها أكباد الإبل، واحتكت وتزاحمت فيها الركب، إلا أنها سعيدة بما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، وما تجده بين مظانها من الفرح والسرور والنشوة والغبطة والسعادة: (سيقفل قلمه سعيداً بضم هذه الرحلة والمرحلة إلى ذاكرة مساراته) فقد وعت شقاءها وراحتها ونجاحها وعثراتها وتطلعاتها وإحباطاتها) وعليه فقد لعق الصبر حتى بلغ المجد، فالأمجاد لا تنال إلا بجسور العناء والتعب والجد والجلد والاجتهاد.
هذه المقالة أبكت الأدباء وكما أبكت خناس -رضي الله عنها-.
يقول الأديب الحاذق الأستاذ حمد القاضي وقد آلمه الخبر وقضّ مضجعه: (أشجتني مقالتك الوداعية لكن لن أطالبك بالتراجع، فأنت لم تتخذ القرار فجأة وأعرف أنه يراودك منذ زمن ولك قناعتك التي أملت قرار نأيك قلّص شجني أنك هجرت الصحافة والحرف التزاماً. لكن لن تأباه حين يأتيك طوعاً إلا أن تذهب له كرهاً). وهذه الفراسة من الأديب حمد القاضي تشير إلى أن الأديب الحقيقي لا يتأبى الحرف إذا جاءه طوعاً، فلا نهاية للأديب فما إن يضع النقطة آخر السطر، إلا ويستهل بلفيف من السطور، والدكتور إبراهيم أديب من الطراز الرفيع، وكاتب يعيش تحت ريشة قلمه، وبين سطور كتبه، فهو يعيش حيوات جمة لا حياة واحدة في ظل القراءة والتلذذ بها، ولا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها، وعلك تصغى إليه ليصب في أذنك الشهد الصافي :(القراءة هي المبدأ والخبر، وقد مضى شطر عمر صاحبكم الأول في القراءة المرجعية المكثفة وآن أن يعيش شطره الأخير- بإرادة الله - كما بدأ) وعليه فما تاك وتيك إلا إشارة إلى ملكة حب القراءة عنده وعليه فلم تغن الأوراق الوراق، بل زادته شغفاً وأورثت الكتب الترياق، وما ذاك إلا أن اثنين لا يشبعان طالب علم، وجامع مال، والدكتور الأديب الشاعر إبراهيم بن عبد الرحمن التركي من الأروقة الأولى وعل هذه الحياة الجديدة تتمخض عن سيرة ذاتية، ومسيرة شخصية، تحكي القصة من ألفها إلى يائها، ومن زمن الطفولة إلى ريعان روائح جنة الشباب حتى حكمة وحنكة الكهول، وقد تنبأ أ. د. الغامدي حين قال :(نتطلع إلى قراءة سيرتكم الذاتية كاملة) وهذا إشارة إلى سيرة كاملة جامعة، حيث إن د. التركي كان قد كتب عن نفسه في أحد كتبه لكنه لم يكن بالغاً المد أو نصيفه، بل هو أقل القليل.
وختاماً: كل الثناء والحمد أكيله بإخلاص وتفانٍ وتقدير لشخص الدكتور القدير إبراهيم بن عبد الرحمن التركي. حرسه الله - ثم هو من استقطب العشرات من الطالبين والطالبات للأدب، يدفعهم عشق الحرف والغرام به.
وهو كما قال الشاعر المنصف ابن هانئ الأندلسي:
كانت مساءلة الركبان تخبرنا
عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر
ثم التقينا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
- لله دره-