الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
من خلال بحثي عن الوثائق في إقليم سدير تبين لي معلومات كثيرة لم تدون أو يشار لها من قبل الباحثين أو من عامة الناس، ومما في هذه الوثائق معلومات جديدة تتعلق بأعلام بارزين من علماء، وأُمراء، وقضاة، وكتّاب وثائق، ومعلمي القرآن الكريم، وأئمة المساجد، والنظراء، ووكلاء بيت المال، ووكلاء الأسبال والأوقاف، وغيرهم من الشخصيات التي كان لها دور مؤثر، ونجد في تلك الوثائق أعلام لم يترجم لهم، رغم أن العلماء والمؤرخين والباحثين في الإقليم اهتموا بالكتابة عن الشخصيات البارزة، ولعل سبب ذلك قلة المصادر، أو لم يمر على الباحثين ذكرهم، أو لم يطلع الباحثون على الوثائق المتعلقة بهم، ومن هذا المنطلق حرصت على تدوين معلومات عن بعض الشخصيات التي لم يترجم لها، ولو كانت تلك المعلومات قليلة، مستهدفاً من ذلك إحياء ذكرهم، والترحم عليهم، وتزويد الباحثين والمهتمين بمعلومات عنهم، لما لهم من خدمات جليلة في إدارة الإقليم سياسياً، وتعليميا، واقتصادياً، واجتماعياً، ونذكر منهم:
الشيخ إبراهيم بن محمد أبا الغنيم
هو إبراهيم بن محمد أبا الغنيم الجبري الخالدي، على الأرجح أن ولادته في إقليم سدير لأن لأسرته آل أبا الغنيم ذكرا في بداية القرن الثاني عشر الهجري 1120هـ، فقد رأيت وثيقة كتبها الشيخ أحمد بن محمد المنقور (ت 1125هـ) ذكر فيها سليمان بن عبدالله أبا الغنيم وأحمد بن عبدالله أبا الغنيم وكلثم بنت سليمان بن عبدالله أبا الغنيم زوجة محمد بن ناصر، وقد ذكر أحد الباحثين أن المؤرخ إبراهيم بن عيسى ذكر في وثيقة أن إبراهيم أبا الغنيم قدم من الدرعية بعد سقوطها، فإن صح ذلك فالأرجح عندي أن إبراهيم أبا الغنيم انتقل من سدير إلى الدرعية فترة ثم عاد مرة أخرى لسدير، لأني اطلعت على وثيقة أشارت إلى توليه الإمارة في بلد جلاجل سنة 1214هـ، وهذا قبل سقوط الدرعية، كذلك له مصاهرة قديمة مع أسرة آل جلاجل في حدود سنة 1200هـ.
وقد ولاه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت 1218هـ)، الإمارة في بلد جلاجل كما تولى الوكالة على بيت المال في سدير في الفترة نفسها، وكان مقر سكنه بلدة جلاجل، ورأيت وثيقة مضمونها رسالة من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى المترجم، نورد الشاهد منها: (من عبدالعزيز إلى الأخ إبراهيم أبا الغنيم وإخوانه السلام عليكم ورحمة الله، وبعد عُلم الكتاب(1) تشرفون عليه وأنتم وكلاء بيت المال، ما قضى به الشرع اعملوا عليه، وبلغ إخوانك السلام والسلام). انظر الوثيقة رقم (1).
حررت عدة وثائق وقت إمارته في بلد جلاجل، منها وثيقتان مؤرختان إحداهما كتبت سنة 1217هـ والأخرى سنة 1218هـ كتبهما الشيخ علي بن يحيى بن ساعد قاضي سدير ومُفتيه (ت 1229هـ)، نكتفي بنص إحداهما: (.. محمد بن زبن حضر عندي وأقروا جميعا إرثهم وما يستحقون من أمهم مريم بنت عبدالله بن ربيعة أن قد باعوه على إبراهيم ومحمد ابني عبدالله بن ربيعة بثمن معلوم وأقروا ببلوغه إليهم، شهد على إقرار عثمان وعلي المذكورين، إبراهيم أبا الغنيم الأمير وعبدالله بن منصور، وعبدالمحسن ابني(2)، وكتبه وشهد به علي بن ساعد، جرا ذلك سنة 1217، وصلى الله على محمد وسلم). انظر الوثائق رقم (2).
وكذلك تولى النظارة ووكالة الأسبال في زمن الإمام سعود بن عبدالعزيز (ت 1229هـ)، وقد رأيت وثيقة كتبها المؤرخ عثمان بن بشر وعليها ختمه سنة 1264هـ جاء فيها: (حضر عبدالعزيز بن شرهان وشهد بأن سعود، رحمه الله، أمر على إبراهيم أبا الغنيم وعلي بن ساعد والعبادي(3) وإبراهيم بن ربيعة(4) يركبون ويقفون على مسيل الروضة والداخلة يوم حصل بينهم النزاع، وركبوا المذكورين وطبوا عليهم ورجعوا ما غيروا شيئا في المسيل، كتبه بأمره عثمان بن بشر يبلغ الشيخ السلام.
شهد عندي عبدالله بن محمد بن ربيعة بما شهد به عبدالعزيز بن شرهان بلا زيادة ولا نقصان كتبه عثمان بن بشر سنة 1264)، وعليها ختمه انظر وثيقة رقم (3).
تزوج الشيخ إبراهيم أبا الغنيم بسارة بنت عثمان بن مانع، التي أمها قويت بنت عبدالله بن عزاز، ربما أنها من أهالي إقليم الوشم، وقد أنجبت له محمد وعبدالله وهيا ولطيفة.
عاصر الشيخ إبراهيم أبا الغنيم الأمير عبدالله بن جلاجل(5) (ت 1215هـ) أمير سدير كافة ومقره بلد جلاجل، وهو صهر إبراهيم أبا الغنيم زوج بنته هيا، أم محمد بن عبدالله بن جلاجل -رحمهم الله-.
وفاته
لم أقف على تاريخ وفاة الشيخ إبراهيم أبا الغنيم، فربما أنه توفي بين سنتي 1220هـ و1229هـ، ولا يستبعد أن يكون توفي في المرض الوبائي الذي عم المنطقة سنة 1228هـ و1229هـ، رحمه الله تعالى.
أبناؤه
1- عبدالله بن إبراهيم بن محمد أبا الغنيم تزوج من هيا بنت فايز (المهشورية) من المهاشير من قبيلة بني خالد وأنجبت له بنتا اسمها منيرة بنت عبدالله تزوجت الشيخ ناصر بن علي العريني كاتب الوثائق المشهور راعي المجمعة، وانجبت له ثلاث بنات هن هيلة وموضي وطرفة، وذكرت منيرة بنت عبدالله في عدد من الوثائق في بلد جلاجل، وقد أوصى والدها عبدالله أبا الغنيم في ملكه في جلاجل فيد مسعد، أوصى فيه بالربع ضحايا له واحدة ولولدته واحدة ولولده فايز واحدة ولزوجته بنت فايز واحدة.
2- الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد أبا الغنيم أمير سدير كافة ولاه عليها الإمام عبدالله بن سعود (ت 1234هـ) بعدما عزل الأمير عبدالله بن محمد بن معيقل من ناحية سدير، وعين معه في القضاء في ناحية سدير الشيخ إبراهيم بن سيف، وفي قضاء منيخ الشيخ عثمان بن عبدالجبار بن شبانة. (انظر عنوان المجد في تاريخ نجد لعثمان ابن بشر ص423/ تحقيق عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، الطبعة الرابعة) رأيت وثيقة كتبها الشيخ إبراهيم بن سيف نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم يعلم الناظر إليه بأن محمد أبا الغنيم ولّى علي بن محمد على نصيب أمه لولوة بنت جلاجل في ركية آل محمد، وأقر علي المذكور بأنه باع نصيبها في الركية المذكورة وما يتعلق بها من الحقوق، من ماء ومسيل وطريق باعه على محمد بن عبدالله بن جلاجل بأربعين ريالا وصلت علي وأمره الأمير محمد أبا الغنيم يقضي بها دين على الحرمة المذكورة، وقع ذلك في عاشورا أول سنة واحد وثلاثين بحضرة عبدالكريم بن معيقل ومحمد بن علي بن ساعد، وكاتبه شاهد به إبراهيم بن سيف).
كذلك رأيت وثيقة لما ذهب محمد المذكور للدفاع عن الدرعية ومعه جماعة من أهل سدير فقد دفعت والدته الجزية عنه عندما أمر إبراهيم باشا بهدم الأسوار في البلدان النجدية ودفع الضرائب سنة 1236هـ 1237هـ، ونورد نص الوثيقة التي كتبها الأمير محمد أبا الغنيم بخطه، وصادق عليها الشيخ عبدالله أبابطين (ت 1282هـ)، ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم أقول وأنا الفقير إلى الله سبحانه وتعالى أنا محمد بن إبراهيم أبا الغنيم أني قد أمضيت نصيبي بالبريدي والمريفع وفيد ابن زهير وبيت السويد والمخزن لوالدتي عما أنفقته عني من خسائر الروم، كتبه محمد أبا الغنيم، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم).
أقول وأنا كاتب الأحرف عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين ما ذكره محمد أبا الغنيم في هذا الخط من إمضائه لأمه ما ذكر فيه على الوجه المذكور صحيح لازم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتب على الوثيقة المذكورة أيضا عدد من القضاة منهم الشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، وإبراهيم بن سيف، وحسن بن حسين آل الشيخ وعبدالعزيز بن عثمان بن عبدالجبار وعبدالرحمن بن محمد بن عبيد، وآخر من نقلها عبدالرحمن بن حماد بن ربيعة انظر الوثيقة رقم (4).
تزوج الأمير محمد بن إبراهيم بن محمد أبا الغنيم بشماء بنت محمد بن ربيعة، وهي أم ابنه إبراهيم بن محمد أبا الغنيم وكيل بعض الأسبال في جلاجل ولإبراهيم وصية مؤرخة سنة 1281هـ.
لم أقف على تاريخ وفاته فربما توفي الأمير محمد أبا الغنيم سنة 1239هـ تقريباً، عاصر الأمير عبدالله بن جلاجل أمير سدير (ت 1215هـ) والأمير عبدالكريم بن معيقل أمير سدير (ت 1240هـ) تقريباً، والأمير محمد بن عبدالله بن معيقل أمير سدير كافة، والأمير محمد بن عبدالله بن جلاجل ابن أخته، رحمهم الله.
3- هيا بنت إبراهيم بن محمد أبا الغنيم تزوجت الأمير عبدالله بن جلاجل (ت 1215هـ)، وهي أم ابنه الأمير محمد بن عبدالله بن جلاجل، رأيت لها وثيقة كتبها الشيخ علي بن ساعد، جزء منها منقطع، ونذكر نص الموجود منها: (بسم الله الرحمن الرحيم هكذا وجدت أقرت هيا أنها.. وهن معروفات وهن الخضرية والخضرية التي في ملك عبدالله في ضحية الدوام، يتولاهن الصالح من عيالها، وهن في ملك عبدالله بن جلاجل المسمى المقيتلة واهبهن لها زوجها عبدالله بن جلاجل، وأقرت هيا المذكورة أنها سبلت ووقفت قدرين الحجري الذي شري من تركة عبدالله بثلاثة عشر ريالا، والصفرية ومقرصة ومصحف هذا الذي ذكرنا وقف على المحتاجين فإن احتاجوا العيال فهم أحق بالاستعمال وإن اغتنوا فهم يبذلونها لمن احتاج، وأقرت هيا المذكورة بأن باقي نصيبها من إرثها من زوجها عبدالله مع نصيبها من بنتها لطيفة أنه وقف على المحتاج من أقاربها فإن احتاجوا عيالها فهم أحق كذلك أبنائهم من بعدهم الأقرب فالأقرب الذكر والأنثى المحتاج منهم، شهد على ذلك إبراهيم بن محمد أبا الغنيم ومحمد بن إبراهيم أبا الغنيم وكتبه وشهد به علي بن ساعد، وصلى الله على محمد وسلم واستثنت على ما ذكرنا مدة حياتها، ثم بعد ذلك يصير إلى الوجوه المذكورة، شهد على ذلك من ذكرنا وكتبه كاتبه آنفا. وأقرت هيا المذكورة أنها وهبت نصيبها من أمها من أم عويشيزة، شهد من ذكرنا، ونقله من أصله حرفا بحرف من غير زيادة ولا نقصان خشية التلف أحمد بن محمد بن عبيد، ونقله من خطه بلفظه بعد معرفته أحمد بن عبدالرحمن بن عبيد، وذلك لموجب طلب أحد العصبة نظيرة الوثيقة).
بعد وفاة زوجها الشيخ عبدالله بن جلاجل تزوجت عثمان بن عبدالله الدريس وأنجبت منه عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن إدريس.
4- لطيفة بنت إبراهيم بن محمد أبا الغنيم تزوجت الشيخ عبدالكريم بن معيقل أمير سدير كافة ولم تنجب منه، رأيت وثيقة بفحوى ذلك نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم يعلم من يراه بأن عبدالله بن عبدالكريم بن معيقل قد أقر في حال جواز صحة الإقرار منه شرعا أنه وهب زوجة أبيه لطيفة بنت إبراهيم أبا الغنيم مما يخصه من العقار المعروف بأم العاقول وهو الذي صار ملكا لهم بالابتياع الشرعي بعد أبيه من آل شرهان معلوم محدد، وهبها عبدالله المذكور من العقار المزبور مع إرثها من أبيه في العقار تمام خُمُسَين، وقبلت لطيفة المذكورة الهبة وقبضتها بالتخلية الشرعية وصارت الخُمُسَان بعد القبول والقبض ملكا ثابتا وحقا لازما للواهبة، ولم يبق للواهب فيه حق ولا من يأتي من جهته، شهد على ذلك إبراهيم بن محمد أبا الغنيم وشهد به وكتبه عبدالرحمن بن محمد بن عبيد، جرا ذلك في 13 ذي القعدة سنة 1263، الختم.
ثم إنه بعد ثبوت الملك بالهبة المذكورة للطيفة بنت إبراهيم أبا الغنيم في العقار المذكور أعلاه أقرت أنها وقفته وحبسته وسبلته تقربا إلى الله تعالى على عصبتها من آل غنيم الأقرب فالأقرب، وقادم لها في غلته حجة يجاعل عليها باثني عشر ريالا ويشري أيضا مصحف بخمسة أريل ويوقف فإن انقرض الموقف عليهم، فعلى مسجد الجامع في جلاجل بين الإمام والمؤذن والسراج والصوام، واستثنت الواقفة المذكورة غلة الوقف المذكور مدة حياتها فصار وقفا منجزا لا يباع ولا يوهب ولا يورث إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الورثين، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، شهد على ذلك عبدالله بن عبدالكريم بن معيقل وشهد به وكتبه عبدالرحمن بن محمد بن عبيد، جرا ذلك 13 ذي القعدة سنة 1263، الختم.
بعد وفاة الشيخ عبدالكريم بن معيقل زوجها الأول ربما أنها تزوجت الشيخ حمد بن يحيى بن غيهب أمير الوشم ثم أمير سدير كافة ومقره جلاجل سنة 1250هـ.
وقد أورد الاستاذ عبدالله المجيول في كتابه (الكتاتيب النسائية في إقليم الوشم)، ص263 صورة تملكها لكتاب (حادي الأروح إلى بلاد الأفراح) أوقفته لطيفة بنت إبراهيم أبا الغنيم، وقد كتبت الوقفية بخط يدها أوقفته على ذريتها، وعلى زوجها حمد بن يحيى بن غيهب وذريته.
الهوامش:
(1) عُلم الكتاب: أي فهمت نص الرسالة المرسلة، انظر الوثيقة رقم (1)، وهي رسالة من أمير أشيقر عبدالله بن عثمان الحصيني إلى الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، تتعلق بسبل لأهل أشيقر في بلدة حرمة، زودني بها مشكورا الأستاذ الباحث عبدالله بن بسام البسيمي.
(2) هو عبدالمحسن ابن الشيخ علي بن يحيى بن ساعد.
(3) عبدالله العبادي من أهل جلاجل وهو من وكلا بيت مال في سدير.
(4) إبراهيم بن محمد بن ربيعة من أهل جلاجل ومن وجهاء البلد.
(5) عبدالله بن جلاجل بن راشد بن مبارك (ت1215هـ) أمير سدير كافة ومقره بلد جلاجل
المراجع:
(1) وثائق أبا لغنيم ووثائق الجلاجل الداحس زودني بها مشكوراً الأخ هشام العيفان.
(2) وثائق العبيد أهل جلاجل.
(3) بعض المعلومات زودني بها مشكوراً الأخ فهد السعيد.
(4) مخطوط عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر.
(5) وثائق العمر أهل الروضة زودني بها مشكوراً الأخ هشام العيفان.
(6) تاريخ الفاخري.
(7) بعض المعلومات من وثائق الأسر الأخرى.
**
بقلم: خالد بن برغش البرغش - تمير بسدير