د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

فيلم وثائقي عن مدينة الأحلام ذا لاين في نيوم على قناة ديسكفري العالمية تضمن مقابلة مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليكشف أبرز تفاصيل المشروع الذي يعد من أكبر وأعظم المشروعات في القرن الواحد والعشرين، مجيباً عن فلسفة المدينة وتصميمها المبهر والاستثنائي من أجل بناء حضارة جديدة للغد، وأن تكون المثل والقدوة لتشجيع الدول الأخرى في الاقتداء بالسعودية، لأن السعودية وعدت العالم بإعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية من خلال تطوير مجتمعات يكون الإنسان محورها الرئيسي، تعالج إشكاليات المدن الأفقية التقليدية المنبسطة محققة بذلك التناغم التام بين التنمية الحضرية والحفاظ على الطبيعة بكل مواردها.

ذا لاين مشروع سعودي سكانه يأتون من أنحاء العالم يقدمون إبداعات عبر جذب استثمارات ضخمة، هم عبارة عن سلسلة من مجتمعات الإدراكات المترابطة والمعززة بالذكاء الاصطناعي، ولا فائدة للهندسة والتصميم بدون فن، وهي مدينة خالية من الانبعاثات، وهو مشروع أعلن عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 10 من يناير 2021، وأعلن عن تصاميمه في 25 يوليو 2022، يقع المشروع في شمال نيوم على طول 170 كلم بعرض مائتي متر يقع عند طرف خليج العقبة على البحر الأحمر التي يصل إليها 40 في المائة من سكان العالم في غضون 4 ساعات.

يبنى ذا لاين على مساحة لا تتجاوز 34 كيلو متراً مربعاً، وسيتسع لنحو 9 ملايين نسمة، وهو أمر غير مسبوق في مدن بهذا الحجم، وهذا بدوره يقلل من تمدد البنية التحتية، ويعزز من كفاءة واستدامة المدينة على نحو مميز، كما أن مناخها المثالي على مدار العام سيؤمن للسكان الاستمتاع بالطبيعة عند التنقل سيراً على الأقدام.

عند نشأة المدن بعد الثورة الصناعية في بريطانيا وضع كل شيء قبل الإنسان، بينما ذا لاين تضع الإنسان قبل كل شيء، وفي كلمة سمو ولي العهد لقناة ديسكفري العالمية قال: نحن سننافس ميامي، وهي مدينة أمريكية بنيت في مناطق مكتشفة لا توجد عوائق في بنائها كما في ذا لاين، قال كذلك نحن نبدأ من الصفر، صحيح أنه قال سنسكت المشككين والمتشائمين، لأنه بالفعل مشروع لا يتخيله معظم المهندسين المعماريين، لأنه فكرة جريئة، والمشروع خط مكون من مرايا عاكسة وكأنه تحفة، ربط كل النقاط في هذا الخط بواسطة القطار السريع أسفله في حدود 20 دقيقة بين طرفي مدينة ذا لاين.

لدى سمو الأمير محمد بن سلمان رؤية قوية عن مدن المستقبل، حيث مفهوم الخط في زيادة كثافة المدينة ليبلغ عدد السكان 10 ملايين أي نحو ثلث السكان في الوقت الحالي البالغ عدد سكان السعودية وفق آخر إحصاء نحو 33 مليون نسمة، وفي ذات الوقت الحفاظ على الطبيعة بنسبة أكثر من 75 في المائة وصفر انبعاثات، وصفر سيارات، وصفر شوارع، ويجعل المشي نمط حياة أساسياً، لكن مع إمكانية الوصول السهل والسريع في حدود خمس دقائق، إلى خدمات النقل والعمل والترفيه، وسيكون كل مقيم متصلاً رقمياً أينما كان على امتداد مجتمعات ذا لاين، مع جعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلاً من أولوية النقل والبنية التحتية، كما في المدن التقليدية.

تقدم مدينة ذا لاين نهجاً جديداً لتصميم المدن، والذي يركز على مفهوم انعدام الجاذبية، أي توزيع وبناء مكونات ذا لاين على شكل طبقات عمودية، مما يتيح للناس إمكانية التحرك في الاتجاهات الثلاثة إلى الأعلى والأسفل وفي الاتجاه الأفقي، على عكس مفهوم المباني الشاهقة التي لا يزال بعض المصممين يركزون على هذا المفهوم، بينما فلسفة ذا لاين تختلف عن بقية التصاميم الأخرى، وستكون تجربة فريدة من نوعها، وهي تطبق نظرية إذا زاد التكثيف فإن المساحة تقل، ويغطي جانبي ذا لاين الخارجيين أسطح زجاجية، وهي عبارة عن مرايا عاكسة لجلب الضوء والطبيعة والسعة نحو الداخل.

طبيعي أن تنافس ذا لاين مدينة ميامي في فلوريدا بالولايات المتحدة التي بنيت في عام 1915 وهي من أبرز منتجات شواطئ أمريكا، بل يريد ولي العهد أن تكون ذا لاين قطعة فنية ومشروعاً يجني المال، ويجذب الاستثمارات، ويمكن أن تكون منطقة يأتي إليها الناس من كل أنحاء العالم، لأنه مشروع جديد للعيش والحياة، ليس هذا فحسب بل يكون مجتمعاً ومنصة للابتكار والأعمال التجارية المزدهرة لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً في العالم، وسيساهم في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 نحو 180 مليار ريال، ويوفر نحو 380 ألف وظيفة، ويشمل المشروع مناطق زراعية وصناعية ومناطق جذب سياحي ومطاراً يربط 40 بالمائة من مدن العالم في رحلة لا تتجاوز مدتها 4 - 6 ساعات.