أبدأ كلماتي بالشكر الخالص والمحبة والامتنان لبلدي الثاني وبلد كل مسلم حين يزورها لن يشعر معها بالغربة أو أنه غريب في هذه الأرض الطيبة المليئة بالكرم والخيرات وطيبة أهلها، إنها المملكة العربية السعودية بلد الحرمين الشريفين التي كبرت فيها منذ أن كنت صغيرة وتتملكني هذه المشاعر مشاعر الامتنان لها ولأهلها وناسها الطيبين، في كل مرة أغادرها أشعر بأني أغادر نصفاً وجزءاً من روحي، لأن الله عز وجل اختارها لتكون هي الحامية لبيته الشريف البيت العتيق الذي يقع في أطهر بقاع الأرض مكة وقيادتها الرشيدة كانت دائماً تعمل بجهد وأمانة ومسؤولية لنيلها لهذا الشرف بدون كلل أو ملل لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، وتعمل على راحتهم بمجهود عظيم من رجال أمنها الحريصين على راحة كل مسلم زائر لبيت الله بدون عنصرية أو تفرقة، أحياناً أرى ذلك الخوف والحرص يتغلغل من أعين رجال أمنها بدون الشعور بالتعب وبمجهود جبار لاستقبال الكم الهائل من ضيوف الرحمن الذين فاقت أعدادهم هذا العام المليونين كل هذا العدد استقبلته السعودية بحسن وترحيب ومشاعر طيبة وحرصٍ على تقديم أفضل الخدمات لكل زائر مقبل لأداء ركن وفريضة الحج؛ رأيت طيبة أهلها أهل مكة في تعاملهم مع ضيوف الرحمن وحرصهم على خدمتهم، رأيت بنات مكة المتطوعات في خدمة حجاج بيت الله وشعرت بكمية التعب والإرهاق عندما أصبحت واحدة منهن وعملت بنفس الجهد والتعب عندما تقدمت في إحدى الحمالات الكويتية كمتطوعة ولقيت منهم كل ترحيب وشعرت بأني ابنتهم ومنهم وفيهم هذه المشاعر والعلاقات الطيبة التي تجمع بين البلدين دائماً الكويت والسعودية وحب أبناء الشعبين لبعضهم البعض وكأنها دولة واحدة في حين قررت الذهاب كمتطوعة لم تسعني الفرحة والسعادة ولم أتمالك نفسي بالشعور بالسعادة ساعة حلول وقت المغادرة من مطار الكويت الدولي قمت بلملمة أغراضي بكل فرح وحضّرت حقيبة السفر وأنا بكامل السعادة والفرحة وغمرتني تلك السعادة الفائقة نحو سلم الطائرة الذي سيقلني إلى (المملكة العربية السعودية).
وعند وصولي لأرض الحرمين الشريفين غمرتني مشاعر الراحة والطمأنينة بتوجهي وبالتحديد إلى الأراضي المقدسة. هذه البلاد المباركة والتي تمثل لي أشياءً عظيمة دينية واجتماعية وحباً لا مثيل له كيف لا وفيها أهلي وناسي وهي بلدي الثاني بلا شك. وقبل هذا هي بلد الحرمين وفيها مهبط الوحي وأول بيت وضع للناس في مكة المكرمة.
هنا في هذه السطور التي أشكر فيها الصحيفة على إتاحتها لي الفرصة أريد أن أعبر عن ما يجول به خاطري ونظرتي الشخصية. وكشاهدة إثبات على الجهود المبذولة والإمكانات الضخمة والتطور المذهل الذي رأيته في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والتي قامت بها المملكة.
لقد كان حسن الاستقبال وكرم الضيافة والطيبة اللامتناهية هي السمة الأبرز عند وصولنا للسعودية وكأننا في بلدنا الكويت الحبيبة لم نشعر بفرق ولا غربة بل شعور غريب وهو الانتماء لهذا البلد المضياف الذي رحب بنا كويتيين وكويتيات ليس كضيوف ولكن أصحاب بلد وليس زائرين من بشاشة وسعة صدر ومحبة. لقد جال بخاطري وتفكيري قبل الوصول إلى الأراضي المقدسة نحو أداء فريضة الحج التي دائماً ما تنجح فيه المملكة العربية السعودية في كل عام نجاحاً باهراً حاز على إعجاب الحجاج والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن كان تفكيري بالتحديد ينصب على ما سوف أشاهده بأم عيني من تطور ملاحظ سوف تحظى به المشاعر المقدسة من الحكومة السعودية وأجهزتها المختلفة.
لقد عادت بي الذاكرة إلى الوراء واستعنت بعد الله بمحركات البحث عن طبيعة الحج قديماً وكيف كان الحاج يشعر وقتها من شدة ومشقة وتعب ومعاناة سفراً وتنقلاً وحلاً وترحالاً. ومع ما كنا نشهده في الحكم السعودي الرشيد عامة وبالتحديد السلماني منه بخاصة من النقلة التاريخية التي حظيت بها تلك المشاعر الإسلامية. كل شيء تغير من عمران ومشاريع شاهقة من مبانٍ حديثة وطرق وأنفاق جميلة ضخت فيها المملكة العربية السعودية المليارات وذللت الصعوبات حتى أصبح أداء هذه المناسك يتم بكل يسر وسهولة. لما وفرته المملكة من جميع أسباب الراحة والطمأنينة مع الأمن والأمان الذي بات يطوق المكان برمته.
يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} سورة الحج – الآية (27).
لقد وضعت المملكة هذه الشعيرة الإسلامية وهذا الركن الخامس من أركان الإسلام من أولويات اهتمامها مادياً ومعنوياً بشكل يفوق الوصف ويلامس الخيال من تشييد وتطور طغى على كافة الأصعدة وغطى جميع المجالات المتعلقة بالحج والحجاج وشؤونهما. فكان تطوير وتحسين جبل الرحمة والمنطقة المحيطة به ضمن أكثر من 10 مشاريع جديدة خلال موسم هذا العام (2023) وهي المشاريع التطويرية التي تتبناها شركة كدانة للتنمية والتطوير وهي المطور الرئيسي للمشاعر المقدسة. والتي تسعى لتحسين جودة الأعمال وضمان تقديم خدمات مميزة لضيوف الرحمن وبالتنسيق والتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة. كما تقوم بإنشاءات تطويرية في مواقع مخيمات إسكان الحجاج بمشعر منى ومنطقة شرق الربوة وعرفات ومزدلفة وزيادة المساحات لتستوعب آلاف الحجاج مع تطوير الخدمات الرئيسية من مرافق صحية ودورات مياه وكهرباء.
كل هذا الجهد بكل فخر يتم بأيدٍ سعودية ماهرة ومدربة من الجنسين دون استثناء. وأصبحت تلك الخدمات الاستثنائية التي تقدم بوفرة في حج استثنائي أنها تمثل صورة مشرفة وحضارية للمملكة العربية السعودية.
لقد تخطى عدد الحجاج هذا العام الذي أتى بعد جائحة كورونا 1.8 يمثلون أكثر من 150 دولة وهذا عدد قياسي بلا شك. وحسب تصريح للمديرية العامة السعودية للجوازات فقد استقبلت المملكة وعبر كافة المنافذ حجاجاً من خارج المملكة يقدر عددهم بـ(1.659.837) حاجاً وحاجة.
إنها خدمات تكاملية متسقة مع الحدث الأبرز ساهمت وتساهم في نجاح مواسم الحج عبر الزمن وخصوصاً حج هذا العام المميز.
وبما أن التوعية في الحج هي إحدى المهام الرئيسية والتي تتولها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد فقد جرى تقديم 24 مليوناً و498 ألفاً و504 خدمات توعوية لضيوف الرحمن ضمت عدة أوجه من دعاة وكبائن توعوية ومكتبة توعوية ضخمة تضم آلاف الكتب الدينية وهاتف مجاني يعمل على مدار الساعة وتم تركيب شاشات عملاقة من أجل بث الرسائل التوعوية وبلغات عالمية متعددة.
كما أن الدور الرائد الذي تقوم به رئاسة شؤون الحرمين الشريفين ساهم في هذا النجاح الاستثنائي لموسم حج هذا العام فقد نجحت خطة الرئاسة لاستقبال حجاج بيت الله الحرام لأداء طواف الإفاضة في أول أيام عيد الأضحى المبارك والتي هي إحدى برامج تحقيق رؤية المملكة (2030) والتي يقف خلفها ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله). من أجل ضمان سلامة وصحة ضيوف الرحمن.
نجحت الرئاسة في ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة عالمية للمسلمين الناطقين بغير العربية حيث استفاد منها 500 مليون شخص خلال موسم الحج للعام الجاري 1444هـ محققة الرئاسة رقماً قياسياً لأول مرة لم تصل إليه منذ إنشائها.
إن ما لمسه الحجاج من خدمات رائعة وجبارة نال استحسانهم ورضاهم من أجل ذلك دعوا لأنفسهم وأن يحفظ الله المملكة العربية السعودية التي لم تألُ جهداً في سبيل ذلك وباهتمام على أعلى مستوى من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (حفظهما الله).
والمملكة وهي تستبق الخيرات فيما يخص شؤون المسلمين والقيام بها على أكمل وجه هي تبين بأنها قادرة على المضي قدماً في تقديم المزيد من أمن وأمان بعد الله وتنظيم رائع وانسيابية مطلقة واهتمام كبير. وأجزم جزماً قاطعاً بأنه ليس هناك أحد يستطيع إدارة شؤون الحج بنجاح وبتفوق سوى المملكة العربية السعودية التي بدورها تعتبر أمن وسلامة الحجاج خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
لا بلد يليق به حمل شرف خدمة الحاج غير المملكة العربية السعودية وهي رسالة لكل من يقلل أو يشكك أو يريد أن يعكر صفو الحج وأمنه، ولا نحتاج إلى دين سّوي غير الإسلام ولا نبي غير محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ولا بلد يليق به حمل شرف خدمة الحاج غير المملكة العربية السعودية وهي رسالة لكل من يقلل أو يشكك أو يريد أن يعكر صفو الحج وأمنه، فالمملكة صارمة ولا تزال وتمضي قدماً في توفير السلامة والعناية بالحجاج فقد جندت الآلاف من رجال الأمن المخلصين المدربين على إدارة الحشود ومن مدنيين يمثلون جهات حكومية فاعلة، وأفراد من الكشافة السعودية ومئات المتطوعين. ولا نحتاج إلى دين سّوي غير الإسلام ولا نبي غير محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: يقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} المائدة: الآية رقم(3).
أشكر الشقيقة الكبرى للعرب وللمسلمين كافة على هذه النجاحات الباهرة في كل عام لهذه الشعيرة الإسلامية وأدعو الله جلت قدرته أن يديم عليها الأمن والأمان والاستقرار في ظل ملكها وولي عهده وشعبها الوفي.
وأود أن أنوه بأن ما يربط بلدي العزيزة (الكويت) بالمملكة العربية السعودية هو نموذج يحتذى به من علاقات ثنائية تزخر بصفحات من المواقف التاريخية المشرفة. هذه العلاقة لها خصوصية نادرة من ترابط وثيق وعلاقة أخوية انعكست إيجاباً على الشعبين الشقيقين.
وكل عام وأنتم بخير..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله..
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
**
* معيدة بجامعة الكويت قسم الفقه وأصول الفقه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية