د. تنيضب الفايدي
كراع الشيء: طرفه، وكراع الأرض: ناحيتها، وكراع الغميم وصفه المؤرخون بأنه موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة. معجم البلدان للحموي (4/503)، ويطلق عليه أحياناً بأنه: أبرق أو برقاء (والبرقاء: أكمة أو جبل صغير تختلط صخوره بالرمل)، ووصفه البعض بأنه: وادٍ بالقرب من عسفان، وهو معروف حالياً ببرقاء الغميم. معجم معالم الحجاز للبلادي (7/213)، وأحياناً يطلق عليه الكراع، وقال الشاعر ويذكر كراع الغميم. صفة جزيرة العرب للهمداني (392):
يا خليلي الغداة إن دموعي
سبقت لمح طرفها بانهمالِ
قم تأمل وأنت أبصر مني
هل ترى بالغميم من أجمالِ
قاضيات لبانة من مناخ
وطواف وموقف بالجبالِ
فسقى الله منتوَى أمّ عمرو
حيث أمَّت بعد صدور الرّحالِ
قال شاعر مكة عمرو بن أبي ربيعة، وقد أرّقه (حرمه النوم) طيف هند عندما كان بالقرب من كراع الغميم:
فبتُّ أرعى النجومَ مرتفقاً
مِنْ حُبِّها والمُحِبُّ في تَعَبِ
طيفٌ لهندٍ سرى فأرَّقنِي
ونحن بين الكراع فالخرب
يا هندُ لا تبخلي بنائلكمْ
مِنْ عَاشِقٍ ظَلَّ مِنْكِ في نَصَب
والخرب موضع بالقرب من الغميم الذي ينسب إليه كراع.
وقال عمرو بن أبي ربيعة أيضاً:
أمستْ كُراع الغميم موحشةً
بعد الذي قد خلا من الحقبِ
إن تمسِ وحشاً، فقد شهدتُ بها
حُوراً حساناً في موكبٍ عجبِ
وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قد طلق امرأته (عثمة) فندم على ذلك فأنشأ يقول:
عفت أطلال عثْمَة بالغميم
فأضحت وهي موحشةُ الرسومِ
وقد كنّا نحل بها، وفيها
هضيم الكشْحِ جائلةُ البريم
وقال الشميذر الحارثي:
بني عمنا لاتذكروا الشِّعر بعدما
دفنتم بصحراء الغمِيم القوافيا
وقال جرير بن الخطفي مصغرة:
أنَّى نكلف بالغُميّم حاجةً
نِهيا حمامة دونها وحضير
وقال الشماخ، فصغره أيضاً:
لليلى بالغميم ضحوة نار
تلوح كأنها الشّعرى العيورُ
وقال الشّميذر الحارثي:
بني عمّنا لاتذكروا الشّعر بعدما
دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
وكراع الغميم له ذكرٌ في الحديث والمغازي، حيث وقعت على أرضه عدة أحداث هامة من السيرة النبوية، يقول مجمع بن حارثة: وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كُراع الغميم يقرأ (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) رواه البخاري، وهذا الوصف عندما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة الحديبية، كما جاء ذكر كراع الغميم في غزوة بني لحيان، فبنو لحيان هم الذين قد غدروا بعشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديبهم فخرج إليهم في السنة السادسة للهجرة في مائتين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى وصل إلى بطن غران (وادٍ بين أملح وعسفان)، سمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين بأرضهم وأرسل فوارس إلى كراع الغميم، يقول ابن إسحاق: فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم. صلح الحديبية ل: باشميل (ص38).
كما جاء ذكر كراع الغميم في صلح الحديبية حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء مع أصحابه معتمراً ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، وكان عدد أصحابه الذين خرجوا معه ما بين 1400 إلى 1600، وليس معهم سلاح إلا السيوف في أغمادها، وما حملوه من هدايا للبيت الحرام، وساق أمامه سبعين بدنة. علمت قريش بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة، فأجمع رأيهم على صده عن المسجد الحرام، وعسكروا ببلدح (وادٍ غرب مكة)، وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم، وورد الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعسفان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خالد بن الوليد على خيل المشركين بالغميم». وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقاً يخرج منه في ظهورهم، فخرج إلى الحديبية من أسفل مكة، أي: أنه خرج عن الطريق العام إلى طريق فرعية وعرة شديدة الوعورة، مما جعل أصحابه يكابدون المشقات عند قطعها، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بهدف من الخروج عن الطريق العام إلا خوفاً من الاصطدام الأكيد مع قريش، وكان دليله في ذلك رجلاً من أسلم. وخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق العام إلى طريق فرعية باتجاه مكة جعل طلائع قريش تضطر إلى الإسراع بالعودة من كراع الغميم إلى مكة للدفاع عنها.
كما ورد في صحيح مسلم أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إلى مَكَّةَ في رَمَضَانَ، فَصَامَ حتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بقَدَحٍ مِن مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فقِيلَ له بَعْدَ ذلكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قدْ صَامَ، فَقالَ: أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ. (وفي رِوايةٍ زاد): فقِيلَ له: إنَّ النَّاسَ قدْ شَقَّ عليهمُ الصِّيَامُ، وإنَّما يَنْظُرُونَ فِيما فَعَلْتَ، فَدَعَا بقَدَحٍ مِن مَاءٍ بَعْدَ العَصْرِ.
ويستفاد من الحديث الغَزوُ في رَمضانَ، ومَشْروعيَّةُ الفِطرِ في نَهارِه؛ لئِلا يَضعُفَ الجيشُ عنِ الحَربِ، كما فيه تمام رَحمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه وشَفَقَتِه عليهم. وفيه: ضَرورةُ اتِّباعِ أوامِرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ مَن خالَفَه بأيِّ تَصوُّرٍ يكونُ عاصِيًا. وفيه: سَماحةُ الشَّريعةِ، وسُهولةُ تَكاليفِها، حيثُ أباحَتِ الفِطرَ للمُسافِرِ. وفيه: جَوازُ الفِطرِ أثْناءَ النَّهارِ لمَن باتَ ناويًا للصومِ إذا عرَضَ له عارضٌ. (الدرر السنية). وهناك حوادث وأحداث تاريخية تتعلق بكراع الغميم.
وقال الحربي: من عسفان إلى بطن مرّ ثلاثة وعشرون ميلاً، وغدير الأشطاط على ميلين ونصف من عسفان، ومسجد العدني على سبعة أميال من عسفان، وبعده بميل كراع الغميم، والغميم وادٍ والكراع جبل أسود عن يسار الطريق شبيه بالكراع، فيه آثار وفيه بئر القريتين.
يأمل الكاتب ممّن له علاقة بالأبناء والبنات إشعارهم بهذه المسمّيات التاريخية ومواقعها، والأحداث التي ارتبطت بها لعلاقتها بالسيرة المطهرة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.