ناهد الأغا
حكاية مليئة بتفاصيل تجاوزت حدود الزمان والمكان، نُسجت حبكتها بأيدٍ ماهرةٍ عفوية، شكلت أجمل اللوحات وأبهاها، وأنصعها لمعاناً، وكلما دققت فيها البصر زاد تعلقك وإعجابك بها.
السدو الفن البدوي الأصيل، المنبعث من عبق صحراء عريقة، وحياة ترجمتها معاني وقيم موروثة، ولا يزال حاضراً متجذراً بأرض متعمقة بالتاريخ والأصالة، انطلقت في البداية لتلبية احتياجات أساسية للمجتمع، فتطورت لتغدو فناً رائعاً من الفنون التقليدية، التي عرفتها الجزيرة العربية بأكملها، وأراضي المملكة العربية السعودية العزيزة خصوصاً، وفي منطقة الجوف برع هذا الفن ونشط ظهوره وبروزه واحداً من أهم ما توارثته الأجيال كنشاط تقليدي شعبي تراثي جميل، أبدعت فيه النساء هناك منذ قديم الأزل، اللواتي أجدن نسج الخيوط الطبيعية الملونة من الصوف الطبيعي الملون، وكل لون والمنسوج المراد صناعته، وحبكته وإخراجه بأبهى صورة، وأقوى استخداماً.
واستقر السدو في ذاكرة ووجدان الوطن، ولا يزال حياً حاضراً بقوة، لم يغير الزمن مهما تعاقب الليل والنهار، وتوالت الأيام والأزمان، وتبدلت الظروف والأحوال، وبقيت رمزيته العميقة في النفس كما هي زاهية بالعين، ويأنس القلب بسنائه وبريقه، ولمعان ألوانه.
محط نظر وتقدير رفيع، يثبت ارتباط الإنسان بأرضه وتراثه وموروثه، والقيم الخالدة الكبيرة في ضمائرهم، وتكريس روح الهوية الثقافية الوطنية، وترسيخ دعائمها بإبراز معالمها ومقوماتها على كل الصُعد كانت عالمية أم إقليمية ناهيك عن المحلية.
جهود تكللت بالتأكيد على المكانة الكبيرة لهذا المكون، بإدراج السدو ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، ليكون ثامن مكون حضاري وثقافي تميزت به الحضارة والثقافة الوطنية السعودية يدخل لائحة التراث العالمي
فن سادَ وامتلك السؤدد والسيادة والمجد والشرف والرفعة، فظهر عالياً مرتفعاً يُزيِّن الشعارات، وتزدهي به، ففي قمة العشرين عام 2020 في الرياض، طرز السدو مجداً وألقاً للشعار الذي تعرفت القمة به، فليبق سيداً في كل مرحلة وبيئة وظرف اجتماعياً واقتصادياً، فالبيئة الاجتماعية القديمة ساهمت بكل معطياتها اقتصادياً في ذلك الزمان، وستحقق الرفعة الاقتصادية بالاستقرار الاجتماعي في الوقت الحاضر، فنُسجَ المستقبل والقادم بخيوط الماضي الصلبة الشديدة والمتماسكة، ولكي يعلم الجميع أن التاريخ والفكرة والانجاز لا تموت ألبتة، فهي تنتقل من جيل إلى أجيال، وليس جيلاً واحداً فحسب، فهي تحيا ما دامت هذه البسيطة حية يقظة، ولن تندثر أبداً بنبض أبناء بررة للأرض ومظاهرها الزاخرة بها.
ثلاثة عقود عشتها بتفاصيلها ولحظاتها، في المملكة العربية السعودية ووقفت على أجمل ما على هذه البلاد الحبيبة من ثقافات ومظاهر حضارية وجمالية، لامست الإبداع فيها، والإحساس الرفيع، والذوق الخلاق، النابع من نساء كريمات منحهن الخالق التفوق والتقدم، وحُسن الصناعة والحياكة، وإحساسهن المنتمي لوطنهن وأرضهن وتراثهن وأمجادهن.