د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استوقفتني حكمة» ابن دريد» ونصيحته الثمينة في بيت الشعر الذي نصّبتُ صدره عنواناً لمقالي عندما قال:
(إنما المرء حديثٌ بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى)
ففي دوائر الناس تبدو كثير من خرائط المكان؛ وكأنها صحارى جرداء يعيش فيها الإنسان، ولا يشعر بمحيطها الذي قد تكون مرارة مائه, وهجير أجوائه اكتشافات جيولوجية مثيرة؛ تقف الأبحاث عاجزة عن تحليل مكوناتها، وقد لا تبررها الغفلة، ولا تجيزها سلطة النفس اللوامة, فيتوقف الإنسان عن مطاردة الوهم، حتى وإن كان المجال لا يقبل المقارنات؛ لأن الواقع دائماً ما يحدث عندما يكون خارجاً عن إطار التخطيط الممنهج؛ ولا يكترث إلا عندما تضع الأزمات أوزارها؛ فلا بد عند ذلك من إسدال الستار، والانكماش خلف الأمجاد الماضية؛ والاحتماء بدفئها؛ لعلها تشتعل في خرائط مكانية أخرى؛ لديها معانٍ إنسانية عظيمة تستوعب لقطات الفكر، وتنشغل به وله ومعه.
وكما أن المطر هو أحد وسائل الخلاص من موات المكان ومن جدب الأرض، ومن ظلمة الليالي المقمرة، فهو هبة إلهية في إضاءات مائية تنشر في الأرض بواعث الحياة، وتجلب دواعي النماء، فإن الإنسان الحكيم لا بد أن يملك تجربة مثلما هو المطر في غزارته وانصبابه, حتى يسقطها على موات عقله، وفوضى سكونه، ليعمر مكانه؛ ويستجلب بواعث الحياة والحركة فيه، فنحن البشر عندما نخشى ضجر الحياة بنا لا بد أن نشتري الحكمة من بين بضائع العقول؛ لتكون لنا دثاراً, ولتكون اللغة التي تتحدث بها نفوسنا، بروائها وأحلامها بين إقبال وانكسار وعندها نستطيع أن نتجاوز مغبة الخلط بين ما يجب أن يبقى أصيلاً في نفوسنا؛ وإن أحرقه الهجير، وبين ما يتحول إلى محض آثار وأطلال عفت محلها فمقامها, ولأن صور الوعي عند العقلاء دائماً ما تقترح إجابات أخرى قد لا تستند في مجملها إلى الظن، في تفسير المواقف العابرة وغير العابرة؛ فإن العقلاء يجب أن تكون لديهم مهارة استشراف مستقبل البداية والنهاية؛ ويجب أن يعرفوها أصنافاً وأوصافاً؛ كما أنه من الأهمية ربط المعطيات المعرفية عن الواقع بالفهم الصحيح؛ وأن لا يستند فيه على رؤى سابقة؛ كانت تقف لتحافظ على حياتها في خريطة ذلك المكان فحسب.
قال الحكيم الخبير {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (سورة آل عمران آية 139).
كم نحن في حاجة ملحة إلى ضبط الانفراط في الذاتية وربما كان بناء الأحكام المسطحة أحد الأسباب التي لا تجعل الحياة تتخلص من أطواقها المعتمة، ولعلها فروض زمن لجأت النفس لمجاراتها؛ وقد تكون اختلافات في النظرة إلى الأولويات؛ أو أهدافاً هشة لا تلتقي في منفعة, ولا تسير في مصلحة؛ وهنا تكون المفارقة.
فحين يعلو الإيثار يدعمه الوعي، والخبرة، وارتواء الفكر، وسلامة التوجه وعندها يكون الإصلاح مطلباً، واستجلابه ليس من الخوارق؛ ولا من فلتات الزمن؛ وتكون الفضائل نحن أحق بها وأهلها، وعندما تسمو النفس عما يحيط بها من الاستخفاف بالآخر, قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (سورة الروم آية 60) فإن الوعي باستراتيجيات التواصل البناء يتعسكر وينضبط ويستجيب للقوانين الإنسانية.
رحم الله عبد الله بن خميس عندما قال,,
وإني والحياة على دروب
إذا استأنستُ دربا أحتذيه
فلا بالعنف تُكرهني حياتي
ولا للضعف يوما أتقيه
والخلاصة أن الأهداف الملأى بماينفع الناس ويمكث في الأرض تبدأ من سقي أخضر ومثالية إنسان وقوة في الحجة...