د.محمد بن عبدالرحمن البشر
من قدم إلى المملكة لقضاء فريضة الحج لا بد أنه لاحظ التوسع الكبير في استخدام التقنية منذ بداية تقديمه طلب تأشيرة الحج حتى مغادرته إن كان قد غادر، فما أن يعزم بعون الله على الحج، فما عليه إلا أن يفتح شاشة حاسوبه، أو أن يذهب إلى أحد المكاتب المعتمدة ليقدم أوراقه، وما هي الا برهة من الزمن حتى يجد جواب طلبه قد تم إذا كان المسار يسمح بذلك، أو الاعتذار إذا كان هناك سبب يحول دونه، مع ايضاح السبب للمتقدم، وبعد قبول الطلب تتم الإجراءات بسلاسة، وتنتهي الإجراءات في ساعات وينتهي الأمر، وما عليه إلا حمل حقائبه والتوجه إلى المطار بعد أن اختار المكتب المنوط به الترتيب، ويغادر في الوقت المحدد، وبعد وصوله إلى المطار، فلن يجد شيئاً من الإجراءات التي تأخذ الساعات، فكل شيء قد تم عبر التقنية، فيدخل بيسر وسهولة، ثم يتنقل بين المشاعر بطريقة يرى فيها العجب من استخدام التقنية في شتى الجوانب مثل الطقس، ومقدار الازدحام، والمواقيت المحددة للوصول إلى المكان المراد، وغير ذلك كثير.
والخدمات ترافق الحاج ولا يذهب إليها من مأكل ومشرب وخدمات طبية واستعلام وفتوى، وأمن وبعدد كاف، وسرعة تنفيذ كبيرة، مع استخدام التقنية في كل خدمة تقدم، أو طلب من الحاج، لم يكن متاحا أمامه، وسوف يرى الحاج أن تلك التقنية سوف ترافقه إلى أن يغادر، فتسهل عليه حجه، ويعود إلى وطنه، بإذن الله بحج مقبول إن شاء الله.
هذا الإجراء لم يكن مألوفًا أو متاحاً في حقبة من الزمن، فقد كان المتقدم يذهب بنفسه، إلى السفارات إن كان في الخارج، أو إلى إحدى حملات الحج إن كان بالداخل، أو أن يجهز نفسه ويحمل حقائبه إن أراد أن يسافر بنفسه دون ارتباط بحملة حج معينة، ففي السابق لم تكن التقنية متوافرة في العالم، ولهذا فهم يستخدمون ما هو متاح، أما وقد توافرت التقنية فقد سارعت المملكة في القفز إليها دون تردد، وتوطينها في جميع الإجراءات المقدمة للحاج.
يسر الله لي الحج بفضله ومنته بصحبة بعض الاخوة الكرام قبل أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ومن المتوقع أن يتخيل المرء الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، فقد حملنا خيمتنا، مع اليسير من الزاد، وفرش من أوسط ما هو متاح في ذلك الزمان، كما جهزنا القليل من أدوات الطبخ وبساط للجلوس عليه، وسرنا من الرياض إلى مكة المكرمة في طريق غير مزدوج بعضه ترابي، ولم يكن في الطريق محطات وقود سوى ما يكاد يكفي لحاجة الطريق، مع تباعد في المسافات، ولهذا فإن البعض يحمل معه بعضا من الوقود الإضافي، بعد وصولنا وإنهاء ما استوجب علينا قضاؤه من شعائر قبل الانتقال إلى منى، وصلنا وهناك وشرعنا في نصب الخيمة، وتجهيز المكان، ويمكن للمرء أن يرى امتداد الخيام البسيطة، وعدد لا بأس به من الحجيج الذين لم يتح لهم الاستظلال بالخيمة، وأذكر أن هناك أحد بائعي الخبز الذي نذهب إليه لنشتري ما نحتاجه خصوصا في الإفطار، ولأن المسافات قريبة، والخدمات غير متباعدة فقد وجدنا بمحض الصدفة أحد الزملاء الذي كان طالبا في الكلية الأمنية، وكان يستعان بهم لتنظيم المرور والمساهمة في الأمن وقت الحج، فكان رفيق درب لنا بعد انتهاء عمله، ولم يكن المرجم بمثل ما نشاهده الآن من أدوار وتنظيم ممتاز، وإنما كنا نتزاحم على الرمي، لا سيما في اليوم الأول، ولم يكن هناك طواف سوى بصحن الحرم، أما المسعي فقد كان بنصف الاتساع القائم الآن.
وقبل عشرين عاماً تقريباً، وكان موسم الحج شتاء رأيت أن من المناسب أن آخذ الأبناء الذين وجب عليهم الحج مع الاستطاعة لقضاء فرضهم فهم أمانة في عنقي، وحتى اطمئن قبل أن تؤخرهم مشاغل الدنيا عن إنهاء ما هو مطلوب، لكن الخدمات كانت أكثر توفرا بمراحل عديدة مما سبق، فوسيلة النقل الطائرة، والسيارة سبقتنا، والموائد متوافرة في عين المكان بكل ما يحتاجه المرء وما لا يحتاجه، والحمد لله على ذلك، ومن الجدير بالذكر أن الأمن ولله الحمد في الحجتين كان على أفضل ما يرام، فالمملكة بنعمة الله مستقرة آمنة وفرت لحجاج الداخل والخارج من الأمن ما يجعلهم آمنين مطمئنين.
اليوم وبفضل من الله، ومع وجود أمن مطلق، وخدمات للحجيج لا حدود لها، واستخدام التقنية في كل محطات الحاج الكريم، علينا أن نبلغه أيضاً أن المملكة في جميع مرافقها وخدماتها الإدارية تستخدم آخر ما وصل اليه العالم من تقنيات، ويستفيد من ذلك كل مواطن أو مقيم أو زائر أو مستثمر، في جميع مناطق المملكة، وفي المدن، والقرى، وفي البوادي، وعلى قمم الجبال، فالمملكة سارعت ونجحت نجاحاً باهراً في ذلك.
بقي لنا أن نقول إن هناك دولاً أخرى متقدمة، وبعضها هي التي ابتكرت هذه التقنيات ما زالت بعيدة كل البعد عما وصلت إليه المملكة من تطبيق في أشياء كثيرة جداً، ونعلم أن المسارات الإدارية في بعض الدول لا تقارن بالمملكة حتى في الحصول على رخصة قيادة، سواء بالبيع والشراء والخدمات الأخرى، فيمكن للمرء وهو في أي مكان في العالم أن يبيع ويشتري ويتعامل مالياً وقانونياً دون عناء عبر برامج التقنية التي وفرتها المملكة، ولا أعلم إن كان هناك دولة أو دول وصلت إلى ما وصلت إليه المملكة.