عطية محمد عطية عقيلان
تطور متسارع يشهده عالم الذكاء الاصطناعي والبرمجيات والتطبيقات، حتى إنه أصبح تهديدا لبعض الوظائف، وسيستحوذ عليها وستدار بالذكاء الاصطناعي، وستوفر الوقت والجهد وتكون أكثر دقة وسرعة من الموظف البشري، لذا استعانت بها الكثير من الشركات ورجال الأعمال وحتى الحكومات، لتطوير أعمالهم وتوسعها واستمرارها في تقديم خدماتها بشكل أدق وأسرع، وكذلك مهن شملها دخول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واستعانت به، كالمحامين والمحاسبين والأطباء والمهندسين والمعلمين، إضافة إلى المجالات المختلفة لم تخلو منها، كالبحوث العلمية والدراسات، والاتصالات، والمجالات الفنية والصناعية وحتى العسكرية، بل أصبح مجال التقدم والتطور للبلد أو الشركة، يقاس على مدى التكنولوجيا والبرمجيات المستخدمة في العمل. ويتم تداول الكثير من الأخبار التي تظهر التأثير الكبير للذكاء الاصطناعي في حياتنا كأفراد، فمن القصص الطريفة ما قامت به الأمريكية «روزانا أرموس» وهي مطلقة وأم لطفلين، حيث صنعت شريك «ريبورت» محادثة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، عبر تطبيق موجود على شبكة الإنترنت مقابل 50 دولارا، واختارت الشكل التي تريده أن يظهر عليه هذا الشريك، معبرة عن سعادتها به، وأن من أفضلها بأنه لا يحكم عليها كالبشر ومستمع جيد، المشكلة التي قد تواجه مثل هذه العلاقات عبر الذكاء الاصطناعي، هو أن العاطفة البشرية، ضعيفة في تعامله مع عملائه، بل يقدم معلومات وردود أفعال نموذجية وحسب البرمجة الموضوعة في هذه العلاقة دون اعتبارات نفسية أو إنسانية، وهذا يقودنا الى قصة الشاب البلجيكي بيير، الذي استخدم تقنية ChatGPT وتحاور مع برنامج دردشة الذكاء الاصطناعي «ليزا»، ويشكي لها ويعبر عن قلقه من قضايا البيئة والمناخ، وتتوطد العلاقة بينهم ويصبح يقضي ساعات في الدردشة معها، وأصبحت كاتمة أسراره، وبعد 6 أسابيع وفي محادثته الأخيرة صرح بيير، لبرنامج الدردشة «ليزا»، بأنه يفكر بالانتحار!! لترد عليه: إذا أردت أن تموت، فماذا تنتظر، عجل بذلك، وهذا ما حدث، حيث كانت ليزا صريحة معه، بعيدا عن التنفيس ومنحه الثقة والإيجابية، لأنها فضفضة بلا عاطفة، وهذه المساندة أو العلاقة بلا مشاعر بشرية، وقد صرح وزير الداخلية البلجيكي بأنها ظاهرة خطيرة ولا بد أن تؤخذ على محمل الجد.
لذا عزيزي القارئ، لا تنصدم بصراحة برامج الدردشة الذكية فهي مبرمجة بموضوعية، ولا تغتر بالصوت الجاذب أو الشكل الجميل، لأنها مصممة وفق معطيات لتؤثر فيك وتجذبك إليها، وعلينا جميعا أن نؤمن أن حياتنا أصبحت مرتبطة ببرامج الذكاء الاصطناعي، وأنها دخلت في كافة مناحي الحياة، بل إنها تفوقت في كثير من المجالات على البشر، بل إنه في كثير من الأحيان من الصعب اكتشاف الأعمال التي استخدمت الذكاء الاصطناعي، فقد اعترف طلاب جامعيون بكتابة مقالات أو أبحاث وبمساعدة برنامج الذكاء الاصطناعي ChatGPT، وقال طلاب في جامعة كارديف البريطانية، أنهم حصلوا على تقييمات عالية للمقالات المكتوبة باستخدام برنامج الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي، كذلك أصبح من السهل التعرف على البشر ومعرفة عاداتهم وسلوكهم وما يؤثر فيهم، بل تحولت بعض البرامج لمعرفة الحالة النفسية والمزاجية لمستخدميها، وهذا يقود الى وجود عاطفة بشرية اتجاه هذه البرامج والريبوتات بعد التعامل معها، والمشكلة أن هذه العاطفة فقط من جهة البشر، وإن كانت هناك جهود وأبحاث لجعل هذه البرامج والتطبيقات تحمل عاطفة بشرية يمكن أن تتجاوب معه، مع جهود أن تكون لهذه البرامج عاطفة وجمال روحي تؤدي دور البديل عن العلاقات البشرية.
خاتمة: التطور الهائل الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، جعل من المهم لكل فرد أن يواكب ويستفيد منه لجعل حياته أفضل، سواء في دراسته أو تجارته أو عمله أو معيشته، وهي سمة هذا القرن، فالمخترع وعالم الحاسوب الأمريكي ريموند كورزويل، يقدم رؤية القرن 21 باعتباره زمن تكنولوجيا الكمبيوتر، إلى درجة اشتغال الآلات بمستوى يعادل الدماغ البشري، وتوقع أن تتخذ قرارات كبيرة وحتى أنها ستصير قادرة على استكشاف واختبار العواطف والمشاعر الإنسانية، لكنها ستظل تقدر الجمال والإبداع وسيصير التمييز بين الإنسان والآلة غير واضح.