للعنف أوجه كثيرة ومتعددة، فهي ظاهرة برزت في العديد من أوجه الحياة المختلفة، التي تنعكس بشكل سلبي على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والدينية، ويمتد أثرها إلى أعماق النفس البشرية، مما يلحق بها أضراراً نفسية ومعنوية ومادية وجسدية.
نجد العنف الإداري أحد هذه الأوجه، التي تواجه العديد من الموظفين، من ممارسات سلوكية ولفظية وتنظيمية تؤثر بشكل سلبي على بيئة العمل وإنتاجية الموظفين، لعدم ارتياحهم لمثل هذه البيئة المشحونة، المشبعة بالعنف الإداري والقرارات التعسفية والتعامل القاسي، وعدم المرونة في العمل، فتنتج العديد من الأمور السلبية، في قتل الطموح والروح الإبداعية التي تدعم التطوير، وتحد كذلك من تقديم المبادرات والمقترحات التي تساهم بشكل كبير في تحسين أداء العمل، بالإضافة إلى هروب الكثير من الكفاءات والخبرات خارج المنشأة.
وعند النظر للعنف الإداري كظاهرة ديناميكية مركبة، نجدها تتكون من عدة عوامل، كالاستغلال غير الشرعي للسلطة التي يعتبرها المتسلط قوة تم منحها له داخل الإطار الوظيفي، وأنه صاحب القوة والقرار الذي يسير بهما القواعد والضوابط، في تنظيم إدارة الموظفين، يصل بهما إلى حد الإفراط في التسلط والتهميش والإكراه، وإلحاق الضرر بالعاملين، مما يخلق بيئة غير صالحه للعمل، حيث يعتبر أداء العاملين هو العنصر الرئيسي، الذي يقاس من خلاله أداء وفعالية المؤسسة من تحقيق أهدافها.
يذكر فران تاركنتون في كتابه ماذا علمني الفشل عن النجاح: «معظم المنظمات اليوم تستخدم برامج تقييم الأداء والملفات السرية لتسجيل أكبر عدد من أخطاء الموظفين ومحاسبتهم عليها، الهدف من هذا الإرهاب الإداري هو حرمان الموظفين من فضيلة ارتكاب الأخطاء، أو إثارة الفزع والرعب في قلوبهم لكي يعملوا على تحسين أدائهم، وهذه السياسة قد تؤدى إلى تحسين الأداء على المدى القصير، ولكنها على المدى الطويل بالقطع لن تدفع العاملين إلا لأداء الأعمال التي حفظوها، فتمنعهم من مجرد التفكير في أي محاولة لأداء العمل بطريقة جديدة ومبتكرة. وتكمن المشكلة هنا أن كل الطرق المبتكرة غير مأمونة العواقب». ونتيجة ذلك، لا تجارب جديدة، لا أفكاراً مبتكرة، لا أخطاء، أو تعلم من الأخطاء أو التجارب السابقة، فيبقى الحال كما هو بدون تقدم، وتكون هذه بداية الفشل.
وضمن المبادرات الحكومية لمعالجة هذه الظاهرة الاستبدادية، من انتهاكات وتجاوزات ومخالفات، وتنفيذاً لنظام القمر وقرار مجلس الوزراء لمكافحة جريمة التحرش وبعض الاتفاقيات الدولية والممارسات العالمية بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل، أقرت وزارة الموارد البشرية السعودية في أكتوبر 2019 ضوابط مهمة، تضمن توفير الحماية من التعديات اللفظية والسلوكية في بيئة العمل بالقطاع الخاص، والتي تهدف إلى تحسين بيئة العمل وتطويرها، وجعلها جاذبة للباحثين والباحثات عن عمل، وحفظ حقوق جميع العاملين والعاملات.
يمكن التعامل مع هذه الظاهرة والقضاء عليها، من خلال التجاوز عن بعض الأخطاء والصفح عنها، ونسيان الأعمال التي يراها المدير سيئة، وعدم الوقوف عند أي خطأ والاستفادة من هذا الخطأ في معالجته وتصحيح مساره بالطرق المناسبة، كما يصف الكاتب جورج برنارد شو «أن الحياة المليئة بالأخطاء أكثر نفعاً وجدارة بالاحترام من حياة فارغة من أي عمل». وبالتالي عدم وضع العقوبة كخيار أول لمعالجة أي خطأ، بسبب اجتهاد الموظف في تقديم مبادرة أو اقتراح، الذي يسعى لتحسين أداء العمل، وعدم ربط المكافآت بالأداء الممتاز فقط، وأن ندعم الأداء الجيد.
** لا تبحث عن الأخطاء ولكن ابحث عن العلاج.
(ويليام شكسبير)