د. تنيضب الفايدي
الحجر الأسود هو الحجر في زاوية الكعبة، يقول أحد المؤرخين: «الحجر الأسود وهو حجر صقيل بيضاوي غير منتظم ولونه أسود يميل إلى الإحمرار وفيه نقط حمراء وتعاريج صفراء وهي أثر لحام القطع التي كانت انفصلت منه وقطره نحو ثلاثين سنتيمتراً ويحيط به أزار من الفضة عرضه عشرة سنتيمترات». الرحلة الحجازية للبتنوني (ص169)، والمسافة التي بين ركن الحجر وباب الكعبة يسمونها الملتزم وهي ما يلتزمه الطائف في دعائه واستغاثته، ويقال له المدعا والمتعوذ، والملتزم من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء، فعن عبد الرحمن بن صفوان رضي الله عنه قال: لما فتحت مكة قلت: لألبسن ثيابي فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيته قد خرج من الكعبة هو وأصحابه واستلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود برقم (1898). وعن مجاهد قال رأيت ابن عباس وهو يستعيذ ما بين الباب والركن. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه أنه قال: طاف محمد بن عبد الله بن عمرو مع أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما كان في السابع أخذ بيده إلى دبر الكعبة، قال: فجذبه، وقال أحدهما: أعوذ بالله من النار، وقال الآخر: أعوذ بالله من الشيطان، ثم مضى حتى أتى الركن فاستلمه ثم قام بين الركن والباب فألصق وجهه وصدره بالبيت، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل» رواه أبو داود برقم (1899).
أما الحجر الأسود فقد جاء في الحديث أن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، وطمس الله نورهما، ولولا أن طمس نورهما، لأضاءا ما بين المشرق والمغرب. رواه ابن حبان برقم (3793)، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم - وفي رواية- خطايا أهل الشرك». رواه الترمذي وفيه ضعف. وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبّله ثم قال: «والله لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك». وقيل في طوله: إن طوله ثلاثة أذرع، وارتفاعه من أرض المطاف ذراعان وربع وسدس بذراع الحديد. وقال ابن الضياء: إن طوله ذراعان قد أخذ عرض جدار الكعبة، وأن مؤخره مضرس على ثلاثة أرؤس». منائح الكرم للسنجاري (ص301).
ومما قيل فيه من المدح الشعري قول البدر بن الصاحب المصري:
للحجر الأسود كم لائمٍ
وساجدٍ مرّغ فيه الجباهْ
تزدحم الأفواهُ في رشفِهِ
كأنه ينبوعُ ماءِ الحياهْ
وله أيضاً:
للحجر الأسود سرٌّ خفيٌّ
وقد بدا للعين منه شهودْ
عليه قد ضُمَّتْ قلوبُ الورى
كأنه (سوداءُ قلبِ) الوجود
وله أيضاً:
للحجر الأسود كم أُودِعَتْ
أسرارُ أُنْسٍ من علام الغيوب
تزدحم الأفواهُ في لثمه
كأنها تلْقُطُ حبَّ القلوب
وله أيضاً:
أقول وقد زوحمت عن لثمِ أسود
من البيت أن يحْجَبْ، فما السرّ يُحْجَبُ
فإنك مني بالمحلّ الذي به
يحلُّ سوادَ القلبِ بل أنت أقربُ
وللمجد صاحب القاموس:
للحجر الأسود سرٌّ سرى
فكرُ الورى في بحرِهِ غاطِسا
وصح ما قالوا وقالوا فقد
أضحى لقلب الناس مغناطسا
وقال آخر:
الحجرُ الأسودُ مَنْ قبَّلَهْ
من خالصِ الودِّ وفرطِ الولَهْ
يشهَدْ له يومَ قيامِ الورى
بأنّه إيمانَهُ كمّلَهْ
يبتدئ كل شوط في الطواف من الحجر الأسود، فإذا حاذيته تقربت منه وقبلته إن أمكنك وإلا توجهت إليه قائلاً: «اللهم إني نويت طواف بيتك المعظم سبعة أشواط فيسرها لي وتقبلها مني، ثم تسير مسّلماً بيدك قائلاً: بسم الله، الله أكبر، وتطوف جاعلاً البيت على يسارك من وراء الحجر. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان: إذا استلم الركن قال: بسم الله والله أكبر. كما روى عن الإمام سعيد بن المسيب: أن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول إذا كبر لاستلام الحجر: بسم الله والله أكبر على ما هدانا الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت وباللات والعزى وما يدعي من دون الله، إن وليّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، قال عثمان: بلغني أنه يستحب أن يقال عند استلام الركن: بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. تاريخ الأزرقي (1/ 340). وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه ثم يقبل المحجن» رواه مسلم (2241). وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن» رواه مسلم برقم (2245). وعن نافع قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه الإمام أحمد برقم (5714).
أما الركن اليماني فهو الركن الثاني في الكعبة المشرفة بإزاء الحجر الأسود المبارك من الجهة الغربية ويدعى الركن اليماني نسبة إلى وجهته لليمن. آيات المسجد الحرام للسيد ضياء (ص153). وقيل إن رجلاً من أهل اليمن يدعى أبي بن سالم بناه. معالم مكة للبلادي (ص117)، واستشهدوا بقول أحد اليمنيين:
لنا الركن من بيت الحرام وراثةً
بقية ما أبقى أبيّ بن سالم
والأول صحيح؛ لأن العرب لازالت تسمي كل الجنوب يمناً والشمال شاماً. ولفضله وشرفه وعظمته استلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين، ووضع خده الشريفة عليه، وقد روى في فضله وشرفه أحاديث كثيرة فمنها: ما رواه الإمام البخاري في تاريخه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استلم الركن اليماني قبله، ومنها ما روي عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي آمين آمين فإذا مررتم به فقولوا: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. الجامع اللطيف لابن ظهيرة (ص40)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمر بالركن اليماني إلا وعنده ملك يقول: يا محمد استلم صلى الله عليه وسلم.
وعن أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ما مررت بالركن اليماني إلا وجدت جبريل قائماً عليه. وعن عبد الله بن السايب أن أباه أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} سورة البقرة الآية (201). وروى أيضاً بسنده إلى علي رضي الله عنه أنه كان إذا مرّ بالركن اليماني قال: بسم الله والله أكبر، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته. اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.