علي الخزيم
- بسورة الكوثر قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}؛ يقول (أ. د: فاضِل السَّامُرائي) ضمن إضاءاته البيانية حول بلاغة القرآن الكريم ويتَّفق معه مفسرون: إن الله سبحانه حينما أعطى رسوله الكريم هذا العطاء العظيم والخير الكبير (الكوثر)؛ وبضمير التعظيم والتأكيد؛ فإنه لم يَقُل له (اذبح) بل (صلِّ لربك وانحر) وقَدَّم الصلاة على النَّحر؛ فأمره بما يناسب عطاءه جل شأنه، والنَّحر يكون للإبل دون غيرها، وهي أنفس الأنعام عند العرب.
- أراد سبحانه وتعالى أن يكون الشكر على قدر النِّعم وما وجده رسوله منه، فاقتضت إرادته سبحانه أن يُقدِّم ما يلائم ذلك، وأن يتصدق بأعظم الأشياء وخيار الأموال عند العرب، ولو قال اذبح لكفاه أن يذبح شاة او نحوها؛ فالذبح عام مع كل حيوان وطير، لكن النّحر خاص بالإبل لأنها تُنحَر بطعنها أسفل العنق عند الصدر مِمّا لا لحم فيه فكان أسهل.
ـ ولمسة بيانية تجدر الإشارة إليها بالسورة الكريمة بارتباط الصلاة واسبقيتها على النحر، وقد تَعجَب حين تجد من البعض اهتماماً بالغاً بالأضحية - وهذا جيّد - غير أن ما ليس بجيّد هو أن هذا البعض قد يتهاون بالصلاة بصور متعددة، والأسوأ هو إهمال الصلاة والأضحية والعياذ بالله، فالسورة وإن كانت من القصار إلَّا أنها تحمل رسالة بالغة الأهمية.
- ومن المناسب هنا التنبيه إلى ما يُشبِه الظاهرة ببعض بلاد المسلمين من التنافس والتفاخر بنوع وشكل وحجم وثمن الأضحية، وتلبية رغبة الصِّبية والأزواج ونحوهم باختيار خِراف أو أغنام ذات ألوان مُعينة أو ذات قرون طويلة وغير ذلك مما يُخرج الشَّعيرة عن مقاصدها الأصلية، فالشعائر الإسلامية بعيدة عن التباهي بل إنها تدعو للقصد بالقول والعمل.
- ويُخشى من انحراف القصد عن التَّعبُد بهذه الشعيرة تقرباً إلى الله سبحانه؛ كأن تكون الأضحية محل حديث مُفصَّل بالمجالس، مما يجعل غير القادرين في حَرَج أمام أسرهم وذويهم وقد يضطرهم هذا السلوك للسعي لجلب أضحية بطرق ملتوية كالدَّين بالربى، أو الاقتراض المُرهق، ومن المضحك المحزن ما رواه أحد المسنين من أن رجلاً اضطر تحت وطأة العجز لسرقة كبش من أحد المواقع كأضحية.
- وتفتخر العرب قديماً وحديثاً بإبلها كأفخر مقتنياتها من النعَّم، إلى جانب خيولهم العربية الأصيلة، غير أن للإبل مكانة خاصة تغنَّوا بها بأشعارهم وقَصَصِهم، وكانت ثمناً للدِّيات ومهوراً للعرائس وهدايا كبراء القوم، ولدورها الكبير برحلاتهم التجارية والتنقلات والحروب، وتجدر الإشارة لما كان للإبل من دور بارز في جهاد جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - لتوحيد الجزيرة وتأسيس المملكة.
- ومن توارث وتنامي الاهتمام بالإبل كواحدة من مفاخر العرب تطور منافسات (مزايين الإبل) حيث يتنافس مربوها بمسابقات سنوية تقام هنا بالمملكة برعاية رسمية يتم خلالها اختيار الأجمل لنيل جوائز مُجزية، بل إنه قد تم بأمر ملكي كريم إنشاء نادي الإبل بالمملكة، وبالمثل فإن دول الخليج العربي كافة ودول عربية قد جعلتها محل تقدير واهتمام وموضع فخر واعتزاز.