الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع، فهي التي تقوم بتنشئة الأجيال وتعليمهم القيم والآداب والمبادئ الإنسانية والدينية. وهي المؤسسة الاجتماعية التي تزرع في قلوب الأفراد الحب والرعاية والأمان والدعم في محطات حياتهم المختلفة. تتكون من مجموعة من الأفراد متصلين بصلة قرابة أو زواج، يعيشون في منزل واحد أو قريبين من بعضهم، ويتقاسمون فيما بينهم الحقوق والواجبات والمسؤوليات. ويختلف حجم وتكوين الأسرة باختلاف الثقافات والظروف الاقتصادية والاجتماعية. فوفقاً لإحصائية صدرت عن الأمم المتحدة مؤخراً، أن متوسط حجم الأسرة في العالم هو تقريباً خمسة أشخاص لكل أسرة، بما فيهم الآباء والأمهات والأجداد وغيرهم من الأقارب. كما يختلف حجمها بشكل كبير حسب المنطقة والدولة. ففي معظم دول أوروبا وأمريكا الشمالية، يقل متوسط حجم الأسر عن ثلاثة أشخاص لكل أسرة. وفي بعض دول آسيا وإفريقيا، يزيد متوسط حجم العائلة عن ستة أشخاص لكل أسرة.
الأسرة في الوطن العربي
تختلف التكوينات الأسرية للمجتمعات العربية حسب البيئة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، ففي بعض المناطق، تسود الأسرة المشتركة أو الموسعة، التي تضم عدة أجيال تعيش تحت سقف واحد أو قريبين من بعضهم، وفي بعض المناطق الأخرى، تسود الأسرة النووية أو المحدودة، التي تضم فقط الآباء والأمهات والأبناء. وفقًا للإحصاءات المتوافرة في موقع Statista والمتخصص في بيانات السوق والمستهلكين، فإن عدد سكان الوطن العربي بلغ 456.52 مليون نسمة في عام 2021م، ويختلف متوسط حجم الأسرة في الدول العربية باختلاف مستوى التنمية والتحضر. ففي دول مثل قطر والإمارات، يقل متوسط حجم الأسرة عن خمسة أشخاص لكل أسرة. بينما في دول مثل موريتانيا والصومال، يزيد متوسط حجم الأسرة عن سبعة أشخاص لكل عائلة.
وتتعرض الأسر في الوطن العربي للعديد من التحديات والتغيرات في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تشهدها المنطقة. فهناك ازدياد في معدلات الطلاق وانخفاض في معدلات الإنجاب في بعض الدول، مما يؤدي إلى تغير في بنية وحجم ووظائف الأسرة. الحكومات في الوطن العربي تحاول التصدي لهذه التحديات والتغيرات من خلال اتخاذ سياسات وبرامج تهدف إلى دعم وحماية وتمكين الأسرة كوحدة اجتماعية أساسية. ونشير هنا إلى بعض الأمثلة على اهتمام الدول العربية بالأسرة، فالجزائر تصدر قانوناً لحماية الأسرة من العنف وتوفير خدمات اجتماعية وقانونية وصحية لضحايا العنف الأسري، والمغرب يطلق مبادرة «الأسرة المغربية» لتعزيز دور الأسرة في التنمية والتضامن والحوار والتسامح، ومصر تنفذ برنامج «الأسرة المصرية» لتقديم دعم مالي وغذائي وصحي للأسر الفقيرة والمحتاجة، وتونس تشجع على تكوين جمعيات أسرية للدفاع عن حقوق ومصالح الأسر والمشاركة في صنع القرارات السياسية والاقتصادية.
الأسرة السعودية وجودة الحياة
الأسرة السعودية كمثيلاتها من التكوينات الأسرية حول العالم تواجه الكثير من التحديات في ظل التغيرات المتسارعة في المحيط الاقتصادي والاجتماعي، التي أثرت على نظامها وتكوينها ووظائفها، وازدياد معدلات الطلاق في المجتمع وانتشار ظواهر سلبية في بعض العوائل كإدمان المخدرات. كما تغير دور الأسرة في تربية الأبناء، نتيجة لضغوط الحياة والعمل والتعليم، وانشغال الوالدين عن أبنائهم.
وأتت رؤية السعودية 2030 التي من ضمن أهدافها تشكيل مجتمع المستقبل وتفعيل دور المرأة في التنمية، وتحسين جودة الحياة، وترسيخ الهوية الوطنية السعودية. وتماشياً مع هذه المبادئ الأساسية في رؤية المملكة، أصدر مجلس الوزراء قراراً في عام 2016م، بإنشاء مجلس لشؤون الأسرة ليكون مسؤولاً عن تنظيم وتنسيق السياسات المتعلقة بتطوير وحماية شؤون الأسرة داخل المملكة، وتحسين جودة الخدمات التي تقدم لها، ودعمها في كافة جوانب حياتها، فالمملكة تضع الأسرة في مقدمة اهتماماتها في كافة قراراتها ومبادراتها.
قدم المجلس منذ إنشائه العديد من المبادرات والمشاريع التي ساهمت في تحسين جودة الحياة للأسرة السعودية من بين أهم هذه المشاريع والمبادرات: «مبادرة آيدياثون تالة المرأة» وهي مبادرة تهدف إلى تمكين المرأة في مجال التقنية والابتكار، وتشجيعها على المشاركة في حل التحديات المجتمعية، وتطوير أفكار وحلول إبداعية، و»برنامج الأسرة السعودية» والذي يهدف إلى تحقيق التماسك الأسري والاستقرار الزوجي، وتعزيز القيم والمبادئ الأسرية، وتقديم الخدمات والبرامج التوعوية والتثقيفية للأسر، و»برنامج الطفولة المبكرة» والذي يساهم في تطوير الخدمات والبرامج المتعلقة بالطفولة المبكرة، وتحسين جودة الحياة للأطفال من عمر 0 إلى 8 سنوات، وتعزيز دور الأسرة في رعاية وتنشئة الأطفال، و»برنامج كبار السن» ويهدف إلى تحسين جودة الحياة لكبار السن، وتعزيز دورهم في المجتمع، وتقديم الخدمات والبرامج التي تلبي احتياجاتهم، و»برنامج تعزيز الشخصية الوطنية» والذي يسعى المجلس من إنشائه إلى ترسيخ الهوية والانتماء الوطني لدى أفراد الأسرة، وتعزيز قيم الولاء والانضباط والمسؤولية، وتقديم البرامج التوعوية والتثقيفية التي تنمي الوعي الوطني، و»برنامج تحسين جودة الحياة» وهو برنامج يهدف إلى تحسين مستوى رضا الأسرة عن حياتها، وتعزيز سلامتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ولتحقيق التماسك والاستقرار الأسري عن طريق تنمية الوعي عن الآفات التي تصيب المجتمع وتدمر شبابه ومحاربة المروجين لهذه السموم، فلقد أطلقت الدولة عدة حملات لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، التي تشكل خطراً على صحة وأمن وثبات المجتمع. وتهدف هذه الحملات إلى رفع مستوى الوعي بأضرار المخدرات والوقاية منها، وتشديد الإجراءات القانونية ضد المروجين والمتورطين في تهريبها، وتطوير آليات التعاون مع الجهات المختصة دولياً للحد من انتشارها، وتقديم خدمات علاجية وتأهيلية للمدمنين. وتسهم هذه الحملات في تعزيز الأسرة السعودية، من خلال حمايتها من آفة المخدرات، وتحصينها من التأثيرات السلبية لها، وتشجيعها على اتباع نمط حياة صحي وإيجابي، ينسجم مع قيم وركائز رؤية 2030 . وكان آخر هذه الحملات بتوجيه وإشراف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس شؤون الأسرة. بدأت هذه العملية الأمنية بملاحقة مروجي المخدرات والذين يزرعون سمومهم بين أفراد الأسر السعودية. فألحقت هذه الهجمة الأمنية ضربات مسبقة ونوعية تصدت للعديد من هؤلاء الشرذمة الذين يسعون إلى تدمير الاقتصاد والأرواح ووضع استقرار المجتمع والأمن الأسري في خطر.
ولتقليل نسبة حالات الطلاق في المجتمع السعودي والحد منها والتخفيف من آثارها، فلقد ارتفعت نسبة الطلاق بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في السعودية، حيث بلغ إجمالي صكوك الطلاق في عام 2020 قرابة 57 ألف صك، بزيادة 12.7 % عن عام 2019. وقد أرجع الباحثون أسباب الطلاق في السعودية إلى عوامل مختلفة، منها: التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والخلافات بين الزوجين، والضغوط النفسية والمادية، والتدخلات الأسرية، والانفتاح على الثقافات الأخرى، وغيرها. ولمواجهة هذه التحديات، اتبعت المملكة سياسات وإجراءات تهدف إلى تقليل حالات الطلاق وحماية حقوق المطلقين والمطلقات والأبناء، وذلك ضمن رؤية 2030 التي تستهدف تحقيق التنمية المستدامة والتماسك الاجتماعي. فقامت بتطوير نظام المرافعات الشرعية ليشترط إحالة طلب الطلاق أو الخلع أو فسخ النكاح إلى مركز المصالحة قبل إصدار صك الطلاق بهدف إعطاء فرصة للزوجين لإصلاح ذات بينهما، أو التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق كلاً منهما في حالة استمرار نية الانفصال. كما قامت الدولة بتوفير معاش شهري للمرأة المطلقة من خلال نظام الضمان الاجتماعي المطور سعياً إلى تأمين مصدر دخل ثابت للمرأة المطلقة، وتخفيف العبء المادي عن كاهله، خاصة إذا كانت تحتضن أبناءها.
ختاماً، إن الأسرة هي المؤسسة التي تحدد مستقبل الأمم، فإذا كانت قوية ومتماسكة وسعيدة، كان المجتمع قوياً ومتماسكاً وسعيداً. فالمأمول منا جميعاً أن نحافظ على استقرارها وسلامتها، ونحمي حقوق أفرادها ونؤدي واجباتنا تجاههم، وأن نعمل جاهدين على المحافظة على دعم أفرادها ومشاركتهم في بناء المجتمعات التي نطمح إليها.