عبد الله سليمان الطليان
لاشك في عصرنا الحاضر ان القوة العسكرية مطلب أساسي لكافة الدول في العالم، لكي تحافظ على وجودها ومقدراتها وتكون عامل ردع للأعداء، ولكن قد تتحول هذه القوة العسكرية الى تدخل سافر وتهديد وفرض قرارات لتحقيق مصلحة، مصحوبة بروح استعمارية بغيضة وغطرسة في استعراض القوة الذي ينطبق على الولايات المتحدة الامريكية التي لها سجل مخز في هذا، ليس خارجياً بل حتى منذ نشأتها داخلياً يعطي حقيقة المفهوم الامبريالية لدى من يسوده شعور بتفوق العنصر الأبيض.
هناك مقال كتبته الدكتورة روكسان دنبار اورتيز أستاذة الدراسات الأخلاقية في جامعة كاليفورنيا الحكومية نشر في مجلة (بوستن ريفو) بعنوان (ما الذي يعرفه أصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض) تحدثت فيه عن جذور مفهوم القوة لدى من يسيطر على المشهد السياسي في أمريكا، نقطف بعضاً منه.
تقول الدكتورة روكسان: عندما ينظر المؤرخون إلى تاريخ العسكرة والإمبريالية الأمريكية، فإن قلة منهم تتبع أصولها إلى هذه الفترة لبناء الإمبراطورية الداخلية لكن كان عليهم القيام بذلك؛ فأصل الولايات المتحدة في الكولونيالية الاستيطانية - على شكل إمبراطورية تولد من الامتلاك العنيف للأراضي الأصلية والتحقير الفظيع للحياة الأصلية - منح البلاد مزايا متفردة لها أهميتها عند النظر إلى التساؤلات حول كيفية فك مستقبلها عن مورثاتها العنيفة.
لا تعد الولايات المتحدة استثنائية في مقدار العنف أو سفك الدماء عند مقارنتها مع الغزاة الإمبرياليين في أفريقيا وآسيا ومنطقة الكاريبي وجنوب أمريكا؛ فإزالة الأصليين أمر متضمن في المشاريع الاستعمارية والاستيطانية الكولونيالية؛ حيث بُحث عن مساحات شاسعة من الأراضي وقوة العمل من أجل الاستغلال التجاري كان العنف المتطرف ضد غير المحاربين سمة مميزة لجميع أشكال الاستعمار الأوروبي، وترافق غالباً بإبادة جماعية.
لكن ما يميز الولايات المتحدة هو ميثولوجيا الانتصار الملتصقة بذلك العنف واستخداماته السياسية لغاية اليوم. تجد الحرب الأمريكية الداخلية والخارجية التالية لـ 11 سبتمبر ضد المسلمين جذورها في حروب الرعاع للمستعمرات الأمريكية والدولة الأمريكية المبكرة ضد سكان أمريكا الأصليين، في القرن العشرين وقبل الحرب على الإرهاب بكثير، شنت الولايات المتحدة حروباً على نطاق واسع في الفلبين وأوروبا وكوريا وفيتنام وغزوات واحتلالات طويلة الأمد في كوبا ونيكاراغوا وهايتي وجمهورية الدومينيكان وعمليات مكافحة العصيان في كولومبيا وجنوب أفريقيا. وفي جميع الأحوال، رأت الولايات المتحدة نفسها محشورة في حرب ضد القوات «الهمجية». كان الاستيلاء على الأرض من حكامها حربا عنصرية ابتداءً من أول مستوطنة بريطانية في جيمس تاون أقحمت «الحضارة» في مواجهة (الهمجية). حصلت القوات المسلحة الأمريكية عبر هذا المسعى على شخصيتها المتفردة كقوة ذات خبرة في الحرب.
مع حلول رئاسة أندرو جاكسون (1829-1837) والذي كان شغفه لتهجير الأمريكيين الأصليين وقتلهم لا يُضاهى أصبحت شخصية القوات المسلحة الأمريكية في التصور القومي متشابكة بعمق مع غموض الأمم الأصلية - كما لو أن تبني ممارسات الحرب غير التقليدية جعل الجنود الأمريكيين في الوضع الذي يحاربونه. شملت هذه الشخصية انطباقاً محدداً مع العدو الأصلي، وميزت المستوطنين بأنهم أمريكيون أصليون عوضا عن أوروبيين. وكان ذلك جزءا من الحيل، والتي اعتقد الأمريكيون من خلالها أنهم يمتلكون الحق القانوني بالقارة: لقد حاربوا من أجلها وأصبحوا سكانها (الأصليين).
وتقول لماذا يهمنا نحن من يسعى للسلم والعدالة أن نرى بدايات القوات العسكرية الأمريكية بقتل الشعوب الأصلية أو أن الإمبريالية الأمريكية تجذرت في مصادرة أراضي المواطنين الأصليين؟.
إن خصخصة الأراضي وأشكالاً أخرى من الرأسمال البشري هي من جوهر التجربة الأمريكية. يستخلص مركز النفوذ العسكري والرأسمالي للولايات المتحدة من العقارات والتي تشمل الأجساد الأفريقية إضافة إلى الأراضي المستولى عليها، ومن الصواب أن لدينا مرة أخرى تاجر عقارات يتبوأ منصب الرئيس على شاكلة الرئيس الأول جورج واشنطن، الذي جمع ثروته من نجاحه في المضاربة على الأراضي الهندية غير المهجورة.
صممت البنية الحكومية الأمريكية الخدمة المصالح العقارية الخاصة حيث كان اللاعبون الأساسيون في تأسيس الولايات المتحدة مضاربي الأراضي وملاك الرقيق، اي أن الولايات المتحدة أسست على هيئة إمبراطورية رأسمالية وكان ذلك استثنائيا، وبقي استثنائياً، لكن ليس بطريقة تنفع البشرية. صممت القوات المسلحة لاستغلال الموارد وحمايتها من الضياع، وستستمر في فعل ذلك طالما بقيت تحت إشراف أجهزتها في ظل سيطرة الرأسماليين الجشعين، ويبقى ان أصول الولايات المتحدة متوائمة مع أيديولوجية البيض القومية.